الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الأمر الثالث: هبة المعتوه:

        وفيه فرعان:

        الفرع الأول: تعريف المعتوه:

        العته في اللغة: يطلق على نقص العقل، ويطلق أيضا على فقده.

        وفي اصطلاح الفقهاء:

        انقسم الفقهاء رحمهم الله في تعريف المعتوه إلى طائفتين:

        فطائفة جعلت العته نوعا من الجنون، والطائفة الأخرى فرقت بينه وبين الجنون.

        فقد جاء في تبيين الحقائق للحنفية أن المعتوه هو: "من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون".

        وجاء في الإكليل للمالكية: "أن المعتوه هو: ضعيف العقل".

        وقد ذكر صاحب "كشاف اصطلاحات الفنون": ما يؤيد هذا التفريق حيث قال: "والفرق بين السفه والعته ظاهر، فإن المعتوه يشابه المجنون في بعض أفعاله وأقواله، بخلاف السفيه فإنه لا يشابه المجنون، لكن تعتريه خفة فيتابع مقتضاها في الأمور من غير روية وفكر في عواقبها".

        [ ص: 128 ] وجاء في تحرير التنبيه للشافعية: "المعتوه نوع من المجانين".

        وجاء في المغني للحنابلة: "المعتوه هو: الزائل العقل بجنون مطبق".

        وفي الدر النقي: "المعتوه هو المجنون".

        الفرع الثاني: هبة المعتوه:

        اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في حكم ما يصدر المعتوه من صيغ على قولين:

        القول الأول: أن المعتوه كالمجنون في الأحكام; لذا فما يصدره المعتوه من هبة لا يعتد بها، ولا يجوز للولي أن يأذن له بإصدارها.

        وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.

        القول الثاني: أن المعتوه كالصبي العاقل في تصرفاته; لذا فما يصدره المعتوه من هبة تأخذ حكم هبة الصبي المميز، وقد تقدم حكمها.

        وبهذا قال الحنفية.

        [ ص: 129 ] الأدلة:

        الذين يرون بطلان هبة المعتوه يلحقونه بالمجنون، ويطبقون عليه أحكامه، وتقدمت الأدلة قريبا على عدم صحة هبة المجنون.

        أما الذين يرون إلحاق المعتوه بالصبي المميز في التصرفات القولية وهم الحنفية، فإنهم لما رأوا المعتوه - حسب اصطلاحهم - عنده نوع تمييز ألحقوه بالصبي المميز، وقاسوه عليه.

        والذي يظهر لي في المسألة أن المعتوه ينقسم إلى قسمين:

        الأول: معتوه ليس معه إدراك، فهذا في حكم المجنون، فلا تصح هبته.

        الثاني: معتوه معه إدراك، فيأخذ حكم الصبي المميز، وقد تقدم حكم هبته.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية