الأمر الثاني: هبة المختص كالكلب، ونحوه:
المختص: كل ما جوز الشارع الانتفاع به، ولم يرخص في بيعه.
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم ككلب الصيد ونحوه على قولين: هبة الكلب المأذون في اقتنائه،
القول الأول: أنه تجوز هبته.
وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، وهو وجه عند الحنابلة.
في الإنصاف: "وقيل: تصح هبة ما يباح الانتفاع به من النجاسات، جزم به الحارثي، وتصح هبة الكلب، جزم به في المغني والكافي والشرح، واختاره الحارثي.
قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة; لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية، وقد صرح به القاضي في خلافه، انتهى".
القول الثاني: أنه لا تجوز هبة الكلب.
وهو قول الشافعية، ووجه عند الحنابلة، هو المذهب.
في الإنصاف: "قوله: "وكل ما يجوز بيعه" يعني: تصح هبته، وهذا صحيح ونص عليه، ومفهومه: أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته، وهو المذهب، وقدمه في الفروع، واختاره القاضي".
[ ص: 266 ] الأدلة:
دليل القول الأول:
أن الشارع أذن في الانتفاع به، ومقتضى ذلك جواز هبته، ويدل لذلك:
(117 ) ما رواه من طريق البخاري أبي سلمة، عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة قال "من أمسك كلبا، فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية" ابن سيرين وأبو صالح: عن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة وقال "إلا كلب غنم أو حرث أو صيد" أبو حازم: عن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة، "كلب صيد أو ماشية".
ودليل القول الثاني أن الشارع نهى عن بيعه، ويدل لهذا:
(118 ) ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي مسعود الأنصاري "نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن".
ونوقش هذا الاستدلال: بالفرق بين عقود التبرعات والمعاوضات; إذ إن عقود التبرعات أوسع كما سبق.
وفي الإنصاف: "نقل فيمن أهدى إلى رجل كلب صيد ترى أن يثيب عليه؟ قال: هذا خلاف الثمن، هذا عوض من شيء، فأما الثمن فلا". حنبل
[ ص: 267 ] الراجح:
الراجح - والله أعلم - القول الأول; إذ الأصل في عقود التبرعات الحل والصحة.