الأمر الثاني: الهبة للرقيق:
وفيها فرعان:
الفرع الأول: هبة السيد لرقيقه:
إذا وهب السيد لرقيقه هبة، كما لو وهبه سيارة، أو كتابة، أو نحو ذلك، فاختلف العلماء في ذلك على قولين:
[ ص: 373 ] القول الأول: صحة هذه الهبة:
وبه قال الحنفية، وهو مذهب المالكية، وقال به بعض الشافعية، وبعض الحنابلة.
القول الثاني: عدم صحة هبة السيد لرقيقه:
وقال به بعض الحنفية، وهو مذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة.
الأدلة:
دليل القول الأول:
1 - قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وجه الدلالة: أن الله عز وجل وصفهم بالغنى والفقر، ولم يخص عبدا من حر، فدل على أنهم يملكون.
2 - قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف .
[ ص: 374 ] وجه الدلالة: أن الله عز وجل - أضاف الأجر إلى الأمة مما يدل على أنها تملك.
(177 ) 3 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم سالم، عن أبيه، عن رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن عمر "من ابتاع عبدا وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع".
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف المالية إلى العبد المبيع إضافة التخصيص بلام التمليك، فدل على أنه يملك.
دليل القول الثاني: أن العبد ليس أهلا لتمليك; إذ هو مال.
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم; إذ هو يملك بالتمليك كما تقدم.
سبب الخلاف: هل يملك العبد بالتمليك أو لا؟ الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول; إذ إن الهبة إحسان وفعل خير، وهذا كما يكون للحر يكون للرقيق.
الفرع الثاني: هبة غير السيد للرقيق:
إذا وهب شخص غير السيد لرقيق من الأرقاء.
اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكم هذه الهبة على قولين:
القول الأول: صحة هذه الهبة.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وبه قال بعض الحنابلة.
[ ص: 375 ] القول الثاني: صحة هبة المكاتب، وهبة الرقيق إذا قصد السيد، فإن قصد العبد لم يصح.
وهو الصحيح عند الشافعية.
القول الثالث: عدم الصحة مطلقا.
وهو الصحيح عند الحنابلة.
الأدلة:
الأدلة في هذه المسألة كالأدلة في المسألة السابقة، فمن يرى أن الرقيق يملك صحح الهبة له، ومن لا يرى أن الرقيق يملك لم يصحح الهبة له.
وتقدم الدليل على صحة تملك الرقيق.