المطلب الثالث: إنكار شرط العوض في الهبة 
إذا ادعى الواهب شرط العوض، فأنكر الموهوب له،  فقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: 
القول الأول: أن القول قول الموهوب له مع يمينه. 
وهذا قول الحنفية،  وأصح الوجهين عند الشافعية،  والمذهب عند الحنابلة.  
القول الثاني: أن القول قول الواهب. 
وهذا وجه للشافعية،  ووجه للحنابلة.  
القول الثالث: إن كان مثل الواهب يطلب العوض على هبته فالقول قوله  [ ص: 401 ] مع يمينه، وإن لم يكن فالقول قول الموهوب له مع يمينه، فإن أشكل ذلك واحتمل الوجهين، فالقول قول الواهب مع يمينه. 
وهذا قول المالكية.  
الأدلة: 
أدلة القول الأول: (أن القول قول الموهوب له ) : 
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية: 
(186 ) 1 - ما رواه  البخاري  من طريق أبي مليكة،  عن  ابن عباس  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم". 
2 - أن الواهب أقر له بالهبة وادعى بدلا الأصل عدمه. 
ويناقش: بأن الأصل قد يترك إذا عارضه ظاهر أقوى منه، كما لو كان من عادة الواهب طلب العوض. 
3 - أن الموهوب له منكر لشرط العوض، والقول قول المنكر مع يمينه. 
وقد يناقش من وجهين: الأول: 
أن الواهب منكر لعدم العوض. 
الثاني: أن الواهب قد يترجح إنكاره إذا كان له عادة بشرطه. 
دليل القول الثاني: (أن القول قول الواهب ) : 
استدل أصحاب هذا القول:  [ ص: 402 ]  1 - ما تقدم من آثار الصحابة رضي الله عنهم أن الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها. 
2 - الواهب لم يقر بخروج الشيء من ملكه إلا ببدل. 
ونوقش: بأنها محمولة على العرف. 
وأيضا: بأن مطلق الهبة لا يقتضي بدلا، ولو أراد الواهب العوض لاشترطه; لأنه خلاف الأصل. 
دليل القول الثالث: (الرجوع إلى العرف، وإلا فالقول قول الواهب ) : 
أولا: دليلهم على الرجوع إلى العرف في ذلك: 
بأن العرف إن وجد فهو قائم مقام الاشتراط; لأن المعروف عرفا كالمشروط شرعا. 
ويناقش: بأن العرف قد لا يكون مطردا، فالرجوع إلى الأصل - وهو عدم العوض - أولى. 
ويجاب: بأن المدار على ما إذا كان هناك عادة مطردة. 
ثانيا: استدلوا على أن القول قول الواهب إن لم يكن عرف: 
بما استدل به أصحاب القول الثاني. 
ويناقش: بما نوقش به هناك. 
الترجيح: 
الراجح - والله أعلم - القول الأول، أن القول قول الموهوب له في عدم اشتراط العوض في الهبة; وذلك لقوة أدلة هذا القول في الجملة. 
 [ ص: 403 ] إلا أن يؤيد الواهب عادة مطردة في اشتراط العوض، فيقدم; لقوة هذا الظاهر، وهو العادة المطردة; إذ من القواعد الشرعية أن "العادة محكمة"، و"أن المعروف عرفا كالمشروط شرعا"، ويؤيده ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم: أن الواهب أحق بهبته ما لم يثب عليها. 
				
						
						
