الباب الثاني: العوض والقبض في الهبة
وفيه فصلان:
الفصل الأول: العوض في الهبة.
الفصل الثاني: القبض في الهبة.
[ ص: 388 ] [ ص: 389 ] الفصل الأول: العوض في الهبة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الهبة بشرط العوض.
المبحث الثاني: الهبة دون شرط العوض.
[ ص: 390 ] [ ص: 391 ] المبحث الأول: الهبة بشرط العوض
وفيه مطالب:
المطلب الأول: حكم الهبة بشرط العوض
فاختلف العلماء رحمهم في ذلك على قولين: إذا اشترط الواهب في هبته عوضا معلوما،
القول الأول: صحة الهبة.
وهو قول جمهور أهل العلم.
القول الثاني: بطلان هذه الهبة.
وهو قول للشافعية، وقول للحنابلة، وهو قول الظاهرية.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل الجمهور بالأدلة الآتية:
[ ص: 392 ] 1 - قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .
والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه.
2 - قوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآية أن المعطي لا يكون له من عطيته إلا ما نوى بها، فإن نوى بها أمرا آخر كالثواب من المعطى ونحوه كان له ذلك.
(178 ) 3 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن يزيد بن أبي حبيب، أبي الخير، عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عقبة بن عامر "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
(179 ) 4 - وقال وقال النبي صلى الله عليه وسلم: البخاري: "والمسلمون على شروطهم".
(180 ) 5 - ما رواه من طريق ابن ماجه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية الأنصاري، عن عن عمرو بن دينار، رضي الله عنه قال: قال رسول الله: أبي هريرة أي: يعوض (ضعيف ) . "الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها"،
[ ص: 393 ] [ ص: 394 ] (181 ) 6 - ما رواه الإمام عن مالك عن داود بن الحصين، أبي غطفان ابن طريف المري، عن رضي الله عنه قال: "من وهب هبة لصلة الرحم، أو على وجه الصدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته، يرجع فيها إذا لم يرض منها". عمر
(182 ) 7 - ما رواه حدثنا ابن أبي شيبة: عن وكيع، سفيان، عن عن جابر، عن القاسم، عن ابن أبزى، علي رضي الله عنه قال: "الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها" (ضعيف ) .
[ ص: 395 ] (183 ) 8 - ما رواه حدثنا ابن أبي شيبة: عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر قال: "كنت عند إذ جاء رجلان، فقال أحدهما: وهبت له بازا وأنا أرجو أن يثيبني منها، وقال الآخر: وهب لي بازا وما تعرضت له وما سألته، فقال فضالة بن عبيد فضالة: "اردد إليه هبته، أو أثبه منها، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار القوم".
(184 ) 9 - ما رواه حدثنا ابن أبي شيبة: عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، إبراهيم، عن ابن دينار، عن رضي الله عنه قال: "من وهب هبة لوجه الثواب فلا بأس أن يرد" (صحيح ) . ابن عمر
(185 ) 10 - ما رواه قال: حدثنا الطحاوي فهد، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن عن راشد بن سعد، رضي الله عنه قال: "المواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب فله الثواب... ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد مماته". أبي الدرداء
[ ص: 396 ] دليل القول الثاني: (بطلان هذه الهبة ) :
1 - قوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله .
قال "روينا من طريق ابن حزم: محمد بن الجهم: نا يحيى الجبابي، نا محمد بن عبيد، نا محمد بن ثور، عن عن معمر، قتادة، عن في قول الله تعالى: ابن عباس وما آتيتم من ربا قال: هو هدية الرجل أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر عليه صاحبه ولا إثم عليه.
قال هذا إذا أراده بقلبه، وأما إذا اشترطه فعين الباطل والإثم. ابن حزم:
ويمكن أن يناقش: بأن هذا لا يقتضي بطلانها; لأن عدم الثواب والأجر من الله في العمل لا يقتضي بطلانه كسائر العقود التي لا يقصد بها الثواب.
2. قوله تعالى: ولا تمنن تستكثر .
وجه الاستدلال: أن الله تعالى نهى في هذه الآية عن إعطاء شيء ليؤخذ أكثر منه.
ويمكن أن يناقش: بأن هذه الآية اختلف في المخاطب بها وفي المراد بها: فقيل المخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكون الآية مقيدة للآية السابقة التي استدل بها الجمهور والظاهرية، ووجه اختصاص الخطاب برسول الله صلى الله عليه وسلم:
[ ص: 397 ] أن أخذ الزائد على ما أعطى نوع من السؤال، والسؤال لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأن أخذ الزائد على ما دفع طريق من طرق أخذ الصدقة، وهي لا تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل معنى الآية: لا تمنن بعطيتك وعملك، ولا تستكثره، فعلى هذا يكون الخطاب له ولأمته.
وقيل معناه: لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه; لأن "تمنن" بمعنى تضعف.
وعلى كل هذه الأوجه لا يكون في الآية دليل على ما ذكره من بطلان هبة الثواب. ابن حزم
3 - أن لفظ الهبة يفيد التبرع، فلا يصح شرط العوض فيها.
ونوقش: بعدم التسليم، كما في أدلة الرأي الأول.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - صحة الهبة بشرط الثواب; إذ الأصل صحة التبرعات والشروط فيها.
[ ص: 398 ]