المطلب السادس: تخصيص أو تفضيل بعض الأولاد لمعنى يقتضي ذلك
اختلف القائلون بحرمة في جواز ذلك لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغال بالعلم أو نحوه من الفضائل، وكذا صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، على قولين: [ ص: 497 ] القول الأول: الجواز. تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة
ذهب إليه في رواية عنه، اختارها أحمد ابن قدامة، وابن تيمية.
قال شيخ الإسلام: "وينشأ من بينهما نوع ثالث، وهو أن ينفرد أحدهما بحاجة غير معتادة... ففي إعطاء الآخر مثل ذلك نظر... فلو كان أحد الأولاد فاسقا، فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب، فهذا حسن يتعين اعتباره، وإذا امتنع من التوبة فهو الظالم، فإن تاب وجب عليه أن يعطيه".
قال المرداوي: "وهذا قوي جدا".
واحتجوا:
1 - ما تقدم عن في نحله أبي بكر بعض ماله دون إخوتها. لعائشة
ووجه الاستدلال ظاهر.
2 - ما تقدم عن في تخصيص عمر عاصم رضي الله عنه دون بقية إخوته.
3 - ما تقدم أن رضي الله عنه فضل بني عبد الرحمن بن عوف أم كلثوم بنحل قسمه بين ولده.
[ ص: 498 ] 4 - ما تقدم عن - في تخصيص ابن عمر واقد - وتعليله لذلك بمسكنته.
5 - ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة.
القول الثاني: عدم الجواز.
ذهب إليه الحنابلة في قول، وابن حزم.
واحتجوا:
1 - بحديث رضي الله عنهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: النعمان بن بشير "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".
وجه الدلالة: أن النبي لم يستفصل بشيرا في سبب تخصيصه دون سائر ولده. للنعمان
فالحديث عام.
ونوقش: بأن تركه الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال.
وأجيب: بأنه لو علم بالحال لما قال: "ألك ولد غيره؟".
وردت هذه الإجابة: باحتمال أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة.
[ ص: 499 ] (214 ) كما روى البخاري من طريق ومسلم عن عياض بن عبد الله، رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: أبي سعيد الخدري وقد علم أنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، لكن نبه السائل بهذا على علة نقصان عقلها. "أليس إذا حاضت لم تصلي ولم تصم؟"
2 - ولأنهم سواء بالإرث، فكذلك في عطيته في حياته.
3 - ولوجود المعنى، وهو حدوث العداوة والبغضاء وإيحاش الصدور.
الترجيح:
والذي يظهر لي رجحانه أنه لا يجوز له التخصيص في الهبة لمعنى من هذه المعاني; لقوة ما استدلوا به ومنه عموم الحديث، مع عدم المخصص، وليس في هذا القول عسر أو تشديد; لأن له أن يعطي في كثير من هذه الصور، ولكن لا على سبيل الهبة، ولكن على سبيل النفقة، فينفق على المريض، والأعمى العاجز عن الكسب، ومن هو متفرغ لطلب العلم دون غيرهم من المقتدرين من بقية الإخوة.
[ ص: 500 ]