الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
كيفية التيمم .

من تعذر عليه استعمال الماء لفقده بعد الطلب .



التالي السابق


(كيفية التيمم)

لما فرغ من ذكر الطهارة بالماء شرع في بيانها ؛ إذ من حق الخلف أن يتبع السلف ، وهو لغة القصد ومنه لا تيمموا الخبيث منه تنفقون وشرعا مسح الوجه واليدين بالتراب بنية ، وهو من خصائص هذه الأمة ، وقد شرع التيمم في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق وسبب مشروعيته نزول النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على غير ماء تلك الغزوة وحكمه حل ما كان ممتنعا قبله وصفته أنه فرض للصلاة مطلقا ويندب لدخول المسجد محدثا وأشار المصنف إلى السبب المبيح له وأنه شيء واحد ، وهو العجز عن استعمال الماء ، وقد بين المراد منه فقال : (من تعذر عليه استعمال الماء) أو تعسر ، ثم أشار إلى بيان أسباب العجز فقال (لفقده) قال الله تعالى : فلم تجدوا ماء فتيمموا والمراد بالفقد هنا أن يتحقق عدم الماء حواليه مثل أن يكون في بعض رمال البوادي فيتيمم وهل يفتقر إلى تقديم الطلب عليه فيه وجهان أحدهما نعم ؛ لأن الله تعالى قال فلم تجدوا ، وإنما يقال ذلك إذا فقد (بعد الطلب) وأظهرهما ، وهو الذي ذكره المصنف في الوجيز أنه لا حاجة إلى الطلب ؛ لأن الطلب مع تيقن الفقد عبث وما ذكر من الاستدلال بالآية ممنوع ، وإذا لم يتيقن عدم الماء حواليه جوز وجوده تجويزا قريبا أو بعيدا في حد الغوث وجب تقديم الطلب على التيمم ؛ لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت حينئذ تحصل الضرورة وهل يجب أن يطلب بنفسه أو يجوز أن ينيب فيه غيره فيه وجهان أظهرهما أنه يجوز الإنابة حتى لو بعث النازلون واحدا ليطلب الماء أجزأ طلبه عن الكل ولا خلاف أنه لا يسقط بطلبه الطلب عمن لم يأمره ولم يأذن له فيه وكيفية الطلب أن يبحث عن رحله إن كان وحده ، ثم ينظر يمينا وشمالا وخلفا وقداما إذا كان في مستو من الأرض ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطيور بمزيد الاحتياط ، وإن لم يكن الموضع مستويا واحتاج إلى التردد نظر ، فإن كان يخاف على نفسه أو ماله فلا يجب ذلك ؛ لأن الخوف يبيح له الإعراض عند تيقن الماء فعند التوهم أولى ، وإن لم يخف فعليه أن يتردد إلى حيث يلحقه غوث الرفاق ، وهذا الضابط مستفاد من شيخه إمام الحرمين حيث قال : لا نكلفه عن مخيم الرفقة فرسخا أو فرسخين ، وإن كان الطرق آمنة ولا نقول : لا يفارق طنب الخيام والوجه القصد أن يتردد ويطلب إلى حيث لو استغاث بالرفقة لأعانوه هذا ويختلف باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا قال الرافعي : ولا يلفى هذا في كلام غيره ، ولكن الأئمة من بعده تابعون عليه وليس في الطرق ما يخالف ، ثم قال : وعند الإمام أبي حنيفة ليس على المتيمم طلب إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء قلت : والذي في متون المذهب ويجب طلب الماء غلوة بنفسه أو رسوله وهي ثلاثمائة خطوة إلى مقدار أربعمائة خطوة من جانب ظنه إن ظن قربه برؤية طير أو خضرة أو إخبار مخبر ؛ لأن غلبة الظن دليل يجب العمل به في الشرع مع الأمن به وإلا فلا يطلبه ، وفي السراج الوهاج ولو تيمم من غير طلب ، وكان الطلب واجبا وصلى ، ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الإعادة عندهما خلافا لأبي يوسف قالوا : والقدر المبيح له بعده ميلا والمراد به هنا ثلث الفرسخ والتقدير بالميل هو المختار ؛ لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية حدا في حالة العلم به فقدره محمد في رواية بميل ، وفي أخرى بميلين ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ميلان إن كان أمامه وإلا فميل والميل هو المختار ؛ لأنه يتحقق لزوم الحرج بالذهاب إليه وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج والله أعلم ، وقال الرافعي : وإذا تيقن وجود الماء حواليه فإما أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون في [ ص: 387 ] الاحتطاب والاحتشاش فيجب السعي إليه والوضوء به قال محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فرسخ ، وإما أن يكون بعيدا عنه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت فيتيمم ولا يسعى إليه ؛ لأنه فاته في الحال وهل الاعتبار من أول وقت الصلاة أم يعتبر في كل صلاة وقتها والأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار من أول وقت الصلاة لو كان نازلا في ذلك المنزل ولا بأس باختلاف المواقيت والمسافات ، فإن الغرض صيانة وظيفة الوقت عن الفوات قال النووي في الروضة : قلت هذا الذي ذكره الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله ، بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب ، وهو ظاهر نص الشافعي في الأم وغيره والله أعلم .



(تنبيه)

قال الرافعي : وإذا عرفت أن مع الرفقة ماء فهل يجب استيهابه من صاحبه فيه وجهان أحدهما لا لصعوبة السؤال على أهل المروءة والثاني ، وهو الأظهر نعم ؛ لأنه ليس في هبة الماء كبير منة ، وقال النووي في الروضة قلت : قال أصحابنا : ولا يجب أن يطلب الماء من كل واحد من الرفقة بعينه ، بل ينادي من معه ماء من يجود بالماء ونحوه حتى قال البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يطلب من كل بعينه والله أعلم قلت : وفي البحر نقلا عن الوافي مع رفيقه ماء فظن أنه إن سأله أعطاه لم يجز التيمم ، وإن كان عنده أنه لا يعطيه تيمم ، وإن شك في الإعطاء فتيمم وصلى فسأله فأعطاه يعيد والله أعلم .




الخدمات العلمية