الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وينوي عند ذلك استباحة الصلاة .

التالي السابق


(وينوي عنده استباحة الصلاة) ، وهو الركن الرابع من أركان التيمم السبعة والنية واجبة في التيمم وهي عند أصحابنا شرط لصحة التيمم قالوا : لأن التراب ملوث بذاته وليس بمطهر بالأصالة ، وإنما يصير مطهرا بنية قربة مخصوصة فلذا كانت النية فرضا فيه بخلاف الوضوء ؛ لأن الماء خلق مطهرا ، فإذا أصاب المحل طهره ، وقد يفارق الخلف الأصل وحقيقتها عقد القلب على إيجاد الفعل جزما ووقتها عند ضرب يده على ما يتيمم به أو عند مسح أعضاء بتراب أصابها وقيد العندية في كلام المصنف يؤذن بنفي جواز القبلية والبعدية ، ولكن اختلف في كون الضرب ركنا أو شرطا فمن قال : ركن ، كما هو مذهب المصنف ، فإذا نوى بعد الضرب لم يعتبر النية بعده ومن جعله شرطا اعتبرها بعده وشروط صحة النية ثلاثة الإسلام والتمييز والعلم بما ينويه ولما كانت النية في التيمم مفتقرة إلى شرط خاص بها بينه المصنف بقوله استباحة الصلاة قال الرافعي : وهل يجوز التيمم بنية رفع الحدث ؟ فيه وجهان أحدهما نعم ؛ لأن قصد رفع الحدث يتضمن قصد الاستباحة ويحكى هذا الوجه عن ابن سريج وجعله ابن خيران قولا للشافعي رضي الله عنه قلت : وهذا ضعيف ؛ لأن الحدث لا يتبعض والله أعلم وأصحهما ، وهو المذكور في الوجيز أنه لا يجوز ؛ لأن التراب لا يرفع الحدث ، وإذا تيمم بنية استباحة الصلاة فله أربعة أحوال أحدها أن يقصد نوعيها النفل والفرض فيصح تيممه ؛ لأنه تعرض لمقصود التيمم وهل يشترط تعيين الفريضة بصفتها أو يكفيه نية مطلق الفريضة فيه وجهان أحدهما يشترط ويروى ذلك عن أبي إسحق وابن أبي هريرة ، وبه قال أبو القاسم الصيمري ، واختاره الشيخ أبو علي وأصحهما عند الأكثرين أنه لا يشترط وعلى هذا إذا أطلق صلى أية فريضة شاء ولو عين واحدة جاز أن يصلي غيرها الحالة الثانية أن ينوي الفريضة ولا تخطر له النافلة ، فإذا استباح الفريضة بهذا التيمم فهل له أن يتنفل به قبل فعل الفريضة ؟ فيه قولان أصحهما نعم ، والثاني لا ، وبه قال مالك : وهل يتنفل بعد الفريضة ؟ فيه طريقان أصحهما القطع بأنه يتنفل ، وهو اختيار القفال ، فإذا خرج وقت الفريضة فهل يجوز له أن يتنفل بذلك التيمم ؟ فيه وجهان أظهرهما نعم ، وقال إمام الحرمين : استباحة الفريضة لازمة في التيمم ، وإن لم يجب التعيين ، فإذا عين وأخطأ لم يصح الحالة الثالثة أن ينوي النفل ولا يخطر له الفرض فهل يباح له الفرض بهذا التيمم فيه قولان أصحهما لا ، وعن أبي الحسين بن القطان أنه لا يختلف القول في أنه لا يباح الفرض به ، وإن قلنا : لا تباح الفريضة ففي النافلة وجهان أصحهما أنه يباح والقائل بعدم الإباحة يقول : إن هذا التيمم لا يصح أصلا ولو نوى بتيممه حمل المصحف أو سجود التلاوة أو الشكر أو نوى الجنب الاعتكاف وقراءة القرآن فهو كما لو نوى بتيممه صلاة النفل ففي جواز الفريضة به قولان ، وإذا منعنا ففي جواز ما نواه وجهان ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كما لو تيمم لصلاة النفل على أظهر الوجهين ولو نوت الحائض استباحة الوطء صح تيممها على أصح [ ص: 392 ] الوجهين الحالة الرابعة أن يقصد نفس الصلاة من غير تعرض للفرض والنفل ففيه وجهان أحدهما أنه كما لو نوى الفرض والنفل جميعا ، وهذا هو الذي يفهم من سياق المصنف في هذا الكتاب وصرح به في الوجيز فقال : أو استباحة الصلاة مطلقا فيكفيه ، وهو قياس قول الحليمي فيما حكاه أبو الحسن العبادي وقطع به إمام الحرمين ؛ لأن الصلاة اسم جنس تتناول الفرض والنفل جميعا فأشبه كما لو تعرض لهما في نيته والثاني كما لو نوى النفل وحده ؛ لأن الفرض يحتاج إلى تخصيصه بالنية ، وهذا الوجه أظهر ولم يذكر أصحابنا العراقيون غيره ، وهو المنقول عن القفال فهذا تمام الأحوال الأربعة وهي مذكورة في الوجيز ولو نوى فريضة التيمم أو إقامة التيمم المفروض ففيه وجهان أصحهما أنه لا يصح قطعا ؛ لأن التيمم ليس مقصودا في نفسه بخلاف الوضوء ، وقال النووي في الروضة : قلت : ولو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا ذكره الماوردي ولو تيمم بنية استباحة الصلاة ظانا أن حدثه أصغر فكان أكبر أو عكسه صح قطعا ولو تعمد ذلك لم يصح في الأصح ذكره المتولي قلت : وفي عبارات أصحابنا ويشترط لصحة نية التيمم للصلاة أحد ثلاثة أشياء ، إما نية الطهارة من الحدث أو الجنابة ولا يشترط التعيين بينهما في الصحيح أو استباحة الصلاة أو نية عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة فيكون المنوي صلاة أو جزءا للصلاة في حد ذاته كقوله نويت التيمم للصلاة أو لصلاة الجنازة أو سجدة التلاوة أو لقراءة القرآن ، وهو جنب أو نوته لقراءة القرآن بعد انقطاع حيضها ونفاسها ، فإن كلا منها قربة مقصودة بذاتها متوقفة على الطهارة فلا يصلي إذا نوى المحدث التيمم فقط من غير ملاحظة كونها للصلاة ونحوها أو نواه لقراءة القرآن ولم يكن جنبا ، فإذا نوى المحدث التيمم للقراءة لا يصلي به ، وكذا الجنب إذا تيمم لمس المصحف أو دخول المسجد لا تصح به الصلاة في الصحيح ، وكذا لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح ، وكذا لو تيمم للإسلام خلافا لأبي يوسف في الأخير ، فإنه قال : تصح صلاته بتيممه ؛ لأنه نوى بدخوله في الإسلام قربة مقصودة تصح منه في الحال ولم يعتبره أبو حنيفة ومحمد ، وهو الأصح ولو تيمم لسجدة الشكر لا يصلي به خلافا لمحمد واعتبار مجرد نية التيمم يفهم من سياق النوادر ومن رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة والله أعلم .




الخدمات العلمية