الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما ثمرة الحمية الضعيفة ، فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم ، والزوجة ، والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة ، وهو أيضا مذموم ; إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام ، وهو خنوثة قال صلى الله عليه وسلم : إن سعدا لغيور ، وأنا أغير من سعد وإن الله ، أغير مني .

وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب ; ولذلك قيل : كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها ومن ضعف الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : خير أمتي أحداؤها .

يعني في الدين وقال تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة ، ففقد الغضب مذموم ، وإنما المحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين ، فينبعث حيث تجب الحمية وينطفئ ، حيث يحسن الحلم ، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : خير الأمور أوساطها .

فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة ، وخسة النفس في احتمال الذل ، والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ، ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور ، واقتحام الفواحش ، فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب ، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين ، فهو الصراط المستقيم وهو أرق من الشعرة ، وأحد من السيف فإن عجز عنه ، فليطلب القرب منه قال تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله ، ولكن بعض الشر أهون من بعض وبعض ، الخير أرفع من بعض ، فهذه حقيقة الغضب ، ودرجاته نسأل الله حسن التوفيق لما يرضيه إنه على ما يشاء قدير .

التالي السابق


(وأما ثمرة الحمية الضعيفة، فقلة الأنفة مما يأنف منه من التعرض للحرم، والزوجة، والأمة) ، وكذا ما سواهن من داخل الحجاب، (واحتمال الذل من الأخساء) ، واللؤماء (وصغر النفس) ، والهمة (والقماءة، وهو أيضا مذموم; إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرم، وهو خنوثة) تضاد الرجولية، (قال صلى الله عليه وسلم: إن سعدا لغيور، وأنا أغير من سعد، والله أغير مني) .

رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وهو متفق عليه من حديث المغيرة بنحوه، وقد تقدم في كتاب النكاح .

(وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب) عن المخالطة، (ولو تسامح الناس بذلك) ، وغفلوا عنها (لاختلطت الأنساب; ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة في رجالها) ، فهم يغارون على حرمهم (وضعت الصيانة في نسائها) ، فهن يتعففن، فالصيانة في النساء تابعة لغيرة الرجال، فإذا لم يغاروا رفعت نساؤهم حجاب الحياء، (ومن ضعف الغضب الخور) محركة ضعف في القلب، ومنه رمح خوار إذا كان لينا سهلا، (والسكوت عند مشاهدة المنكرات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: خير أمتي أحداؤها) جمع حديد، والمعنى أنشطها، وأسرعها إلى الخير (يعني في الدين) ، أي: إن المراد بالحدة الصلابة في الدين، وهي تنشأ من غيرة الإيمان حمية للدين; لأن الحكم إذا نيط بوصف صار علة فيه، فخيار أمة الإيمان من تزايدت حدته عن تزايد قوة الإيمان، لا عن كبر وهوى .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب من حديث علي بسند ضعيف، وزاد: الذين إذا غضبوا رجعوا. ا ه .

قلت: ورواه كذلك الديلمي، وفيه نعيم بن سالم بن قنبر، كذاب، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ولفظهم: خيار أمتي أحداؤهم، وقد يشتد على كثيرين الحدة بسوء الخلق، والفارق المميز هو الذي ختم به الحديث، فالرجوع والصفاء هو الفارق، وصاحب الخلق السوء يحقد، وصاحب الحدة لا يحقد، والغالب أنه لا يغضب إلا لله، ومما يشهد للحديث ما رواه أبو يعلى، والطبراني، عن ابن عباس رفعه: الحدة تعتري خيار أمتي، وفي مسند الحسن بن سفيان من حديث أبي منصور الفارسي، وله صحبة، قيل له: لولا حدة فيك، فقال: ما يسرني بحدتي كذا وكذا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحدة تعتري خيار أمتي، وكذا أخرجه البغوي في هجر الصحابة، وأبو نعيم في الحلية، ولكن رواه المستغفري، فقال: عن يزيد بن أبي منصور، وكانت له صحبة بدلا عن أبي منصور، والأولى أكثر، (وقال تعالى: ولا تأخذكم بهما ) ، أي: بالزاني، والزانية في حدهما ( رأفة في دين الله ) ، أي: شدة رحمة، وهو دليل لذم التفريط (بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه) ، وتهذيبها؛ (إذ تتم الرياضة بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، ففقد الغضب) من أصله (مذموم، وإنما المحمود) الاقتصاد منه، وهو (غضب ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ) ، ويقل (حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده) ، وقد تقدم أن المراد بالاستقامة عندهم الوفاء بالعهود، ولزوم الصراط المستقيم برعاية حظ الاستواء في كل أمر ديني ودنيوي، (وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: خير الأمور أوساطها) .

رواه البيهقي من حديث مطرف مرسلا، ورواه الحافظ أبو بكر الجياني في الأربعين البلدانية من حديث علي بسند ضعيف، وقد تقدم الكلام على ذلك، (فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل، والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه، ومن مال غضبه [ ص: 14 ] إلى الإفراط حتى جره إلى التهور، واقتحام الفواحش، فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم) المذكور في سورة الفاتحة، (وهو أرق من الشعر، وأحد من السيف) ، أي: في غاية الرقة، ونهاية الشدة، والمجاوز عليه في خطر عظيم، (فإن عجز عنه، فليطلب القرب منه) ، فإن القريب من القريب قريب ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله، ولكن) كما قيل: (بعض الشر أهون من بعض، و) في معناه: (بعض الخير أرفع من بعض، فهذه حقيقة الغضب، ودرجاته) ، وما يتعلق به .




الخدمات العلمية