الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإذا : تكبره على الخلق عظيم لأنه سيدعوه إلى التكبر على أمر الله ، وإنما ضرب إبليس مثلا لهذا ، وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به ، فإنه قال : أنا خير منه وهذا الكبر بالنسب ؛ لأنه قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به وكان ، مبدؤه الكبر على آدم والحسد له فجره ذلك إلى التكبر على أمر الله تعالى فكان ، ذلك سبب هلاكه أبد الآباد ، فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة ؛ ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين ؛ إذ سأله ثابت بن قيس بن شماس فقال : « يا رسول الله ، إني امرؤ قد حبب إلي من الجمال ما ترى ، أفمن الكبر هو ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس .

وفي حديث آخر : من سفه الحق وقوله وغمص : الناس أي : ازدراهم واستحقرهم وهم عباد الله أمثاله ، أو خير منه ، وهذه الآفة الأولى ، وسفه الحق هو رده ، وهي الآفة الثانية .

فكل من رأى أنه خير من أخيه ، واحتقر أخاه وازدراه ، ونظر إليه بعين الاستصغار ، أو رد الحق وهو يعرفه ، فقد تكبر فيما بينه وبين الخلق . ومن أنف من أن يخضع لله تعالى ، ويتواضع لله بطاعته واتباع رسله ، فقد تكبر فيما بينه وبين الله تعالى ورسله .

التالي السابق


(فإذا: تكبره على الخلق) عظيم (لأنه سيدعوه إلى التكبر على أمر الله، وإنما ضرب إبليس مثلا لهذا، وما حكي من أحواله إلا ليعتبر به، فإنه قال: أنا خير منه ) أي: من آدم -عليه السلام- (وهذا الكبر بالنسب؛ لأنه قال) بعد ذلك: ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) والنار أشرف من التراب (فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به، فكان مبدؤه التكبر على آدم) عليه السلام (والحسد له) على ما أنعم عليه (فجره ذلك إلى التكبر على أمر الله، وكان ذلك سبب هلاكه أبد الآباد، فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة؛ ولذلك شرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبر بهاتين الآفتين؛ إذ سأله ثابت بن قيس بن شماس) بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن بتلة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار، يكنى أبا محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، قتل يوم اليمامة (فقال: "يا رسول الله، إني امرؤ قد حبب إلي من الجمال ما ترى، أفمن الكبر هو، فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس") .

قال العراقي: رواه مسلم والترمذي، ولكن ليس فيهما أن القائل هو ثابت بن قيس، وإنما رواه الطبراني من حديثه، وقد تقدم. انتهى .

قلت: وكذلك رواه الباوردي، وابن قانع من حديث ثابت بن قيس، بلفظ: "إنه ليس من الكبر أن تحسن راحلتك ورحلك، ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس".

وعند سمويه في فوائده من حديث ثابت بن قيس: "قال: يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني لأحبه في شراك نعلي، وجلاز سوطي، وإن قومي يزعمون أنه من الكبر، فقال: ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال، ولكن الكبر أن يسفه الحق، ويغمص الناس".

ورواه الطبراني كذلك، ورواه ابن عساكر من حديث خريم بن فاتك.

ورواه الطبراني أيضا من رواية فاطمة بنت الحسين، عن أبيها مرفوعا .

ورواه الطبراني، وسمويه أيضا، والضياء من حديث سواد بن عمرو الأنصاري.

(وفي حديث آخر: "من سفه الحق) وغمص الناس" رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر.

(وقوله: غمص الناس) بالصاد المهملة (أي: ازدراهم واستحقرهم) وغمط بالطاء المهملة كما في رواية مسلم من حديث ابن مسعود بمعناه .

(وهم عباد الله [ ص: 368 ] أمثاله، أو خير منه، وهذه الآفة الأولى، وسفه الحق هو جهله ورده، وهي الآفة الثانية .

فكل من رأى أنه خير من أخيه، واحتقر أخاه وازدراه، ونظر إليه بعين الاستصغار، أو رد الحق وهو يعرفه، فقد تكبر فيما بينه وبين الخلق .

ومن أنف أن يخضع لله، ويتواضع له بطاعته واتباع رسله، فقد تكبر فيما بينه وبين الله تعالى والرسل) .




الخدمات العلمية