الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونحن الآن نزيل إشكالك بالجواب الثاني الذي فيه مسامحة ما : وهو أن تحسب أن العمل حصل بقدرتك ، فمن أين قدرتك ؟! ولا يتصور العمل إلا بوجودك ، ووجود عملك وإرادتك وسائر أسباب عملك ، وكل ذلك من الله تعالى لا منك فإن كان العمل بالقدرة فالقدرة مفتاحه وهذا المفتاح بيد الله ومهما لم يعطك المفتاح فلا يمكنك العمل ، فالعبادات خزائن بها يتوصل إلى السعادات ومفاتيحها القدرة والإرادة والعلم ، وهي بيد الله لا محالة .

أرأيت لو رأيت خزائن الدنيا مجموعة في قلعة حصينة ، ومفتاحها بيد خازن ولو جلست ، على بابها وحول ، حيطانها ألف سنة لم يمكنك أن تنظر إلى دينار مما فيها ، ولو أعطاك المفتاح لأخذته من قريب بأن تبسط يدك إليه فتأخذه فقط ، فإذا أعطاك الخازن المفاتيح ، وسلطك عليها ، ومكنك منها ، فمددت يدك وأخذتها كان إعجابك بإعطاء الخازن المفاتيح أو بما إليك من مد اليد وأخذها فلا تشك في أنك ترى ذلك نعمة من الخازن لأن المؤنة في تحريك اليد بأخذ المال قريبة ، وإنما الشأن كله في تسليم المفاتيح .

فكذلك مهما خلقت القدرة وسلطت الإرادة الجازمة ، وحركت الدواعي والبواعث وصرف عنك الموانع والصوارف حتى لم يبق صارف إلا دفع ولا باعث إلا وكل بك ، فالعمل هين عليك وتحريك البواعث وصرف العوائق وتهيئة الأسباب ، كلها من الله ليس شيء منها إليك فمن العجائب أن تعجب بنفسك .

ولا تعجب بمن إليه الأمر كله ولا تعجب بجوده وفضله وكرمه في إيثاره إياك على الفساق من عباده ؛ إذ سلط دواعي الفساد على الفساق ، وصرفها عنك ، وسلط أخدان السوء ودعاة الشر عليهم وصرفهم عنك ومكنك ، من أسباب الشهوات واللذات وزواها عنك وصرف عنهم بواعث الخير ودواعيه وسلطها عليك حتى تيسر لك الخير وتيسر لهم الشر ، فعل ذلك كله بك من غير وسيلة سابقة منك ، ولا جريمة سابقة من الفاسق العاصي ، بل آثرك وقدمك واصطفاك بفضله وأبعد العاصي وأشقاه بعدله ، فما أعجب إعجابك بنفسك إذا عرفت ذلك فإذن : لا تنصرف قدرتك إلى المقدور إلا بتسليط الله عليك ، داعية لا تجد سبيلا إلى مخالفتها ، فكأنه الذي اضطرك إلى الفعل إن كنت فاعلا ، تحقيقا ، فله الشكر والمنة لا لك . وسيأتي في كتاب التوحيد والتوكل من بيان تسلسل الأسباب والمسببات ما تستبين به أنه لا فاعل إلا الله ، ولا خالق سواه ، والعجب ممن يتعجب إذا رزقه الله عقلا وأفقره فمن أفاض عليه المال من غير علم فيقول : كيف منعني قوت يومي وأنا العاقل الفاضل ، وأفاض على هذا نعيم الدنيا وهو الغافل الجاهل ؟! حتى يكاد يرى هذا ظلما ولا يدري المغرور أنه لو جمع له بين العقل والمال جميعا لكان ذلك بالظلم أشبه في ظاهر الحال إذ يقول الجاهل الفقير : يا رب لم جمعت له بين العقل والغنى وحرمتني منهما ، فهلا جمعتهما لي ؟! أو لا : هلا رزقتني أحدهما ، وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه حيث قيل له : « ما بال العقلاء فقراء ? فقال : إن عقل الرجل محسوب عليه من رزقه » . .

والعجب أن العاقل الفقير ربما يرى الجاهل الغني أحسن حالا من نفسه ، ولو قيل له : هل تؤثر جهله وغناه عوضا عن عقلك وفقرك لامتنع عنه فإذن : ذلك يدل على أن نعمة الله عليه أكبر ، فلم يتعجب من ذلك والمرأة الحسناء الفقيرة ترى الحلي والجواهر على الدميمة القبيحة فتعجب ، وتقول : كيف يحرم مثل هذا الجمال من الزينة ويخصص مثل ذلك القبح ولا تدري المغرورة أن الجمال محسوب عليها من رزقها ، وأنها لو خيرت بين الجمال وبين القبح مع الغنى لآثرت الجمال فإذن : نعمة الله عليها أكبر .

وقول الحكيم الفقير العاقل بقلبه : يا رب لم حرمتني الدنيا وأعطيتها الجهال ، كقول من أعطاه الملك فرسا ، فيقول : أيها الملك لم لا تعطيني الغلام وأنا صاحب فرس ؟! فيقول كنت لا تتعجب من هذا لو لم أعطك الفرس ، فهب أني ما أعطيتك فرسا ، أصارت نعمتي عليك وسيلة لك وحجة تطلب بها نعمة أخرى ؟! فهذه أوهام لا تخلو الجهال عنها ، ومنشأ جميع ذلك الجهل ويزال ذلك بالعلم المحقق بأن العبد وعمله وأوصافه كل ذلك من عند الله تعالى ، نعمة ابتدأه به قبل الاستحقاق ، وهذا ينفي العجب والإدلال ، ويورث الخضوع والشكر والخوف من زوال النعمة .

ومن عرف هذا لم يتصور أن يعجب بعلمه وعمله ؛ إذ يعلم أن ذلك من الله تعالى ؛ ولذلك قال داود عليه السلام يا رب : « ما تأتي ليلة إلا وإنسان من آل داود ، صائم » وفي رواية : « ما تمر ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك ، إما يصلي وإما يصوم ، وإما يذكرك ، فأوحى الله تعالى إليه : يا داود ومن أين لهم ذلك أن ؟ ذلك لم يكن إلا بي ، ولولا عوني إياك ما قويت ، وسأكلك إلى نفسك ». قال ابن عباس إنما أصاب داود ما أصاب من الذنب بعجبه بعمله إذ أضافه إلى آل داود ، مدلا به ، حتى وكل إلى نفسه ، فأذنب ذنبا أورثه الحزن والندم .

وقال داود « يا رب إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فقال : إني ابتليتهم فصبروا ، فقال : يا رب وأنا إن ابتليتني صبرت ، فأدل بالعمل قبل وقته ، فقال الله تعالى فإني : لم أخبرهم بأي شيء أبتليهم ولا في ، أي شهر ، ولا في أي يوم ، وأنا مخبرك ، في سنتك هذه وشهرك ، هذا ، أبتليك غدا بامرأة فاحذر نفسك ، فوقع فيما وقع فيه » . .

التالي السابق


(ونحن الآن نزيل إشكالك بالجواب الثاني الذي فيه مسامحة ما: وهو أن تحسب أن العمل حصل بقدرتك، فمن أين قدرتك؟!) ومن أوجدها فيك؟!

(ولا يتصور العمل إلا بوجودك، ووجود عملك وإرادتك وقدرتك وسائر أسباب عملك، وكل ذلك من الله تعالى لا منك) وتفصيل ذلك الصلاة، وهي عمل من أعمالك، وهي تستدعي الطهارة، والطهارة تكون بالماء، فمن أنزل من السماء ماء طهورا؟! وإذا كان الماء موجودا متيسرا، فمن أوجد فيك القدرة لاستعماله؟! ثم إذا تطهرت فمن أوجد فيك قوة إلى القيام، ورفع اليدين إلى الأذنين، والنطق بالقرآن بتحريك اللسان، والركوع والسجود، والجلوس؟! وقس على ذلك سائر الأعمال .

(فإن كان العمل بالقدرة فالقدرة مفتاحه) الذي يفتح به باب ذلك العمل (وهذا المفتاح بيد الله) عز وجل (ومهما لم يعطك المفتاح فلا يمكنك العمل، فالعبادات) كلها بمثابة (خزائن) مملوءة (بها يتوصل إلى السعادات) الدنيوية والأخروية (ومفاتيحها القدرة والإرادة والعلم، وهي بيد الله تعالى لا محالة) وهذا نحو ما ورد في بعض الأخبار "العلم خزائن، ومفاتيحها السؤال" فكذلك نقول: العبادات خزائن ومفاتيحها القدرة والعلم والإرادة .

(أرأيت لو رأيت خزائن الدنيا) بأسرها (لو كانت مجموعة في قلعة حصينة، ومفتاحها بيد خازن، وجلست على بابها، و) درت (حول حيطانها ألف سنة) مثلا (لم يمكنك أن تنظر إلى دينار) واحد (مما فيها، ولو أعطاك) الخازن (المفتاح لأخذته من قريب) من غير مشقة (بأن تبسط يدك إليه فتأخذه فقط، فإذا أعطاك الخازن المفاتيح، وسلطك عليها، ومكنك منها، فمددت يدك وأخذتها كان إعجابك بإعطاء الخازن المفاتيح) أكثر (أو بما إليك من مد اليد وأخذها) وتناوله؟!

(فلا شك في أنك ترى ذلك نعمة من الخازن) حيث مكنك منه (لأن المؤنة في تحريك اليد بأخذ المال قريبة، وإنما الشأن كله في تسليم المفاتيح) فينبغي أن يكون الإعجاب به أكثر .

(فكذلك مهما خلقت القدرة وسلطت الإرادة الجازمة، وحركت الدواعي والبواعث وصرفت عنك الموانع والصوارف) أي: الشواغل (حتى لم يبق صارف إلا دفع) عنك (ولا باعث إلا وكل بك، فالعمل هين عليك) متيسر لك بسهولة .

(وتحريك البواعث وصرف العوائق) ومنع الشواغل (وتهيئة الأسباب، كلها من الله تعالى) وحده (ليس شيء منها إليك) ابتداء وانتهاء (فمن العجائب أن تعجب بنفسك) وبعملك (ولا تعجب بمن إليه الأمر كله) بدءا وعودا (فلا تعجب بجوده وفضله وكرمه) ومنته عليك (في إيثاره إياك على الفساق من عباده؛ إذ سلط دواعي الفساد) وبواعث الشر (على الفساق، وصرفها عنك، وسلط إخوان السوء [ ص: 414 ] ودعاة الشر عليهم وصرفهم عنك، ومكنهم من أسباب الشهوات واللذات) فيها بتوافيها (وزواها عنك) فمن العصمة أن لا تقدر (وصرف عنهم بواعث الخير ودواعيه وسلطها عليك حتى يتيسر لك الخير) ويسهل سبيله (ويتيسر لهم الشر، فعل ذلك كله بك من غير وسيلة سابقة منك، ولا جريمة سابقة من الفاسق العاص، بل آثرك وقدمك واصطفاك بفضله وأبعد العاصي) عن حظيرة قربه (وأشقاه بعدله، فما أعجبك بإعجابك بنفسك إذا عرفت ذلك) وتأملته!

(فإذا: لا تنصرف قدرتك إلى المقدور) من أي عمل كان (إلا بتسليط الله عليك، داعية لا تجد سبيلا إلى مخالفتها، فكأنه الذي اضطرك إلى الفعل إن كنت فاعلا، تحقيقا، فله الشكر والمنة) وحده (لا لك .

وسيأتي في كتاب التوحيد والتوكل من بيان تسلسل الأسباب والمسببات) وارتباط بعضها ببعض (ما تستبين به أنه لا فاعل إلا الله، ولا خالق سواه، والعجب ممن يتعجب إذا رزقه الله عقلا) وحكمة (وأفقره) أي: جعله فقيرا معدما (ممن أفاض عليه المال من غير علم) ولا عقل (فيقول: كيف منعني قوت يومي وأنا العاقل الفاضل، وأفاض على هذا نعيم الدنيا وهو الجاهل الغافل؟! حتى يكاد يرى هذا ظلما) ومن ذلك قول ابن الراوندي الملحد:


كم عاقل عاقل ضاقت معيشته وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة
وصير العالم النحرير زنديقا

وقال غيره:


كم من قوي قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
وكم ضعيف ضعيف العقل مختلط كأنه من خليج البحر يغترف

(ولا يدري المغرور أنه لو جمع له بين العقل والمال جميعا لكان ذلك بالظلم أشبه في ظاهر الحال) وإن لم يكن ظلما حقيقة (إذ يقول الجاهل الفقير: يا رب لم جمعت له بين العقل والغنى وحرمتني منهما، فهلا جمعتهما لي؟!) فجعلتني عاقلا غنيا (أو: هلا رزقتني أحدهما، وإلى هذا أشار علي -رضي الله عنه- حيث قيل له: "ما بال العقلاء فقراء؟ فقال: إن عقل الرجل محسوب عليه من رزقه") أي: فبقدر ما يعطى من العقل والحكمة ينقص من رزقه، وفي لفظ: "إن ذكاء الرجل" والمعنى واحد .

(والعجب أن العاقل الفقير ربما يرى الجاهل الغني أحسن حالا من نفسه، ولو قيل له: هل تؤثر جهله وغناه عوضا من عقلك وفقرك لامتنع عنه، فإذا: ذلك يدل على أن نعمة الله عليه أكبر، فلم يتعجب من ذلك؟! .

وكذلك المرأة الحسناء) الجميلة الصورة (الفقيرة ترى الحلي والجواهر على الدميمة القبيحة، فتتعجب، وتقول: كيف يحرم مثل هذا الجمال من الزينة) الظاهرة من الحلي والجواهر (ويخصص مثل ذلك القبيح) الصورة؟! (ولا تدري المغرورة أن الجمال محسوب عليها من رزقها، وأنها لو خيرت بين الجمال والقبح مع الغنى لآثرت الجمال) ولم تلتفت إلى الغنى مع قبح الصورة (فإذا: نعمة الله عليها أكبر .

وقول العاقل الفقير بقلبه: يا رب لم حرمتني من الدنيا وأعطيت الجهال، كقول من أعطاه الملك فرسا، فيقول: أيها الملك لم لا تعطيني الغلام وأنا صاحب فرس؟! فيقول) الملك: (كنت لا تتعجب من هذا لو لم أعطك الفرس، فهب أني ما أعطيتك فرسا، أصارت نعمتي عليك وسيلة لك وحجة تطلب بها نعمة أخرى؟! فهذه [ ص: 415 ] أوهام لا تخلو الجهال عنها، ومنشأ جميع ذلك الجهل) وتقل وتكثر باختلاف أنواع الجهل، فمن كان جهله بسيطا كان الوهم عنده أكثر .

(ويزال ذلك بالعلم المحقق بأن العبد وعمله وأوصافه كل ذلك من عند الله، نعمة ابتدأه بها قبل الاستحقاق، وهذا ينفي العجب والإدلال، ويورث الخضوع والشكر والخوف من زوال النعمة، ومن عرف هذا لم يتصور أن يعجب بعلمه وعمله؛ إذ يعلم أن ذلك من الله تعالى؛ ولذلك قال داود -عليه السلام-: "ما تأتي ليلة إلا وإنسان من آل داود قائم، ولا يأتي يوم إلا وإنسان من آل داود صائم" وفي رواية: "ما تم ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، إما يصلي وإما يصوم، وإما يذكرك، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود من أين لهم ذلك؟ إن ذلك لم يكن إلا بي، ولولا عوني إياك ما قويت، وسأكلك إلى نفسك" .

قال ابن عباس) رضي الله عنه: (إنما أصاب داود ما أصاب من الذنب لعجبه بعمله إذ أضافه إلى آل داود، مدلا به، حتى وكل إلى نفسه، فأذنب ذنبا أورثه الحزن والندم) أخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس قال: "ما أصاب داود ما أصاب بعد القدر إلا من عجب بنفسه؛ وذلك أنه قال: يا رب ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل دواد يعبدك، فيصلي لك، أو يسبح، أو يكبر، وذكر شيئا، فكره الله ذلك، فقال: يا داود ذلك لم يكن إلا بي، ولولا عوني ما قويت عليه، وجلالي لآكلنك إلى نفسك يوما، فقال: يا رب، فأخبرني به، فأصابته الفتنه في ذلك اليوم" .

(وقال داود) عليه السلام: ("يا رب إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: إني ابتليتهم فصبروا، فقال: يا رب وأنا إن ابتليتني صبرت، فأدل بالعمل قبل وقته، فقال تعالى: أما إني لم أخبرهم بأي شيء ابتليتهم، وفي أي شهر، ولا في أي يوم، وأنا مخبرك، في سنتك هذه، في شهرك هذا، أبتليك غدا بامرأة فاحذر نفسك، فوقع فيما وقع فيه") أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس، قال: "إن داود قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لو أردت أعطيتني مثله، قال الله -عز وجل- إني ابتليتهم بما لم ابتلك، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم، وأعطيك كما أعطيتهم، قال: نعم، قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك، فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك فكاد أن ينساه، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة" ثم ذكر باقي القصة بطولها في ابتلائه بأورياء ورجوعه وتوبته .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس "أن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له: إنك ستبتلى، وستعلم الذي تبتلى فيه، فخذ حذرك، فقيل له: هذا اليوم تبتلى فيه، فأخذ الزبور، ودخل المحراب، وأغلق الباب، وأقعد منصفا على الباب، وقال: لا تأذن لأحد علي اليوم، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر مذهب" فذكر الحديث .

وأخرج ابن جرير، والحاكم، عن السري قال: "كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام، يوما يقضي فيه بين الناس، ويوما يخلو فيه بعبادة ربه، ويوما يخلو فيه بنسائه، وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يقرأ من الكتب آية، قال: يا رب إن الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا من قبلي فأعطني مثل ما أعطيتهم، وافعل بي ما فعلت بهم، فأوحى الله إليه: إن آباءك قد ابتليتهم ببلايا لم تبتل بها، ابتلي إبراهيم بذبح ابنه، وابتلي إسحاق بذهاب بصره، وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف، وأنت لم تبتل بشيء من ذلك، قال: يا رب ابتلني كما ابتليتهم، وأعطني مثل ما أعطيتهم، فأوحى الله إليه: إنك مبتلى فاحترس، فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب" ثم ذكر باقي الحديث .

وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير قال: "إنما كانت فتنة داود النظر" .




الخدمات العلمية