الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الآثار قال إبراهيم التيمي إن الرجل ليظلمني فأرحمه وهذا إحسان وراء العفو ; لأنه يشتغل قلبه بتعرضه لمعصية الله تعالى بالظلم ، وأنه يطالب يوم القيامة ، فلا يكون له جواب وقال بعضهم : إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من يظلمه ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ، ويقع فيه فقال له عمر : إنك أن تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها وقال يزيد بن ميسرة إن ظللت تدعو على من ظلمك ، فإن الله تعالى يقول : إن آخر يدعو عليك بأنك ظلمته ، فإن شئت استجبنا لك وأجبنا عليك ، وإن شئت أخرتكما إلى يوم القيامة فيسعكما ، عفوي وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ظالمه : كل الظالم إلى ظلمه ، فإنه أسرع إليه من دعائك عليه إلا أن يتداركه بعمل وقمن أن لا يفعل وعن ابن عمر ، عن أبي بكر أنه قال : بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة ، فينادي : من كان له عند الله شيء فليقم ، فيقوم أهل العفو ، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس وعن هشام بن محمد قال أتي النعمان بن المنذر برجلين قد أذنب أحدهما ذنبا عظيما ، فعفا عنه ، والآخر أذنب ذنبا خفيفا ، فعاقبه ، وقال :

تعفو الملوك عن العظيم من الذنوب بفضلها     ولقد تعاقب في اليسير
وليس ذاك لجهلها     إلا ليعرف حلمها
ويخاف شدة دخلها

وعن مبارك بن فضالة قال وفد سوار : بن عبد الله في وفد من أهل البصرة إلى أبي جعفر قال فكنت عنده إذ أتي ; برجل فأمر بقتله ، فقلت : يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسن قال : وما هو قلت : سمعته يقول : إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، فيقوم مناد فينادي : من له عند الله يد فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا فقال : والله لقد سمعته من الحسن ? فقلت : والله لسمعته منه ، فقال خلينا : عنه وقال معاوية عليكم بالحلم ، والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة ، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح ، والإفضال .

وروي أن راهبا دخل على هشام بن عبد الملك فقال للراهب : أرأيت ذا القرنين أكان نبيا ? فقال : لا ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كن فيه ; كان إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق ولا يجمع شغل اليوم لغد وقال بعضهم : ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا ، قدر عفا وقال زياد القدرة تذهب الحفيظة ; يعني الحقد ، والغضب وأتي هشام برجل بلغه عنه أمر فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته فقال له هشام : وتتكلم أيضا فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، قال الله عز وجل : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أفنجادل الله تعالى ، ولا نتكلم بين يديك كلاما قال ؟ هشام : بلى ، ويحك ، تكلم وروي أن سارقا دخل خباء عمار بن ياسر بصفين فقيل له : اقطعه فإنه من أعدائنا فقال : بل أستر عليه ; لعل الله يستر علي يوم القيامة وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعاما فابتاع ، ثم طلب الدراهم ، وكانت في عمامته فوجدها قد حلت فقال لقد : جلست وإنها لمعي ، فجعلوا يدعون على من أخذها ، ويقولون : اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها ، اللهم افعل به كذا ، فقال عبد الله اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها ، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه وقال الفضيل ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام ، ثم قام ليطوف ، فسرقت دنانير كانت معه ، فجعل يبكي ، فقلت أعلى الدنانير تبكي فقال : لا ولكن ، مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته فبكائي رحمة له وقال مالك بن دينار أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلا وهو على البصرة أمير وجاء الحسن ، وهو خائف فدخلنا معه عليه ، فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج فذكر الحسن قصة يوسف عليه السلام وما صنع به إخوته من بيعهم إياه ، وطرحهم له في الجب ، فقال : باعوا أخاهم ، وأحزنوا أباهم ، وذكر ما لقي من كيد النساء ، ومن الحبس ثم قال : أيها الأمير ، ماذا صنع الله به ? أداله منهم ، ورفع ذكره ، وأعلى كلمته ، وجعله على خزائن الأرض ، فماذا صنع حين أكمل له أمره ، وجمع له أهله قال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه قال الحكم وأنا : أقول : لا تثريب عليكم اليوم ، ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته وكتب ابن المقفع إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه فلان هارب من زلته إلى عفوك ، لائذ منك بك ، واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ازداد العفو فضلا وأتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة ما ترى ? قال إن : الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر ، فأعط الله ما يحب من العفو ، فعفا عنهم وروي أن زيادا أخذ رجلا من الخوارج ، فأفلت منه فأخذ أخا له ، فقال له : إن جئت بأخيك ، وإلا ضربت عنقك ، فقال : أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي ? قال : نعم ، قال : فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم ، وموسى ثم تلا أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى ، فقال زياد : خلوا سبيله ; هذا رجل قد لقن حجته وقيل : مكتوب في الإنجيل : من استغفر لمن ظلمه ، فقد هزم الشيطان .

التالي السابق


(الآثار)

(قال إبراهيم) بن يزيد (التيمي) الكوفي: (إن الرجل ليظلمني فأرحمه) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو (وهذا إحسان وراء العفو; لأنه يشتغل قلبه بتعرضه لمعصية الله تعالى بالظلم، وأنه يطالب يوم القيامة، فلا يكون له جواب) ، فهذا سبب رحمته عليه، (وقال بعضهم: إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له) ، أي: سلط عليه (من يظلمه) .

أخرجه ابن أبي الدنيا، أي: فإذا ظلمه، وصبر على مظلمته، ولم ينتصر منه كان سببا لمزيد الأجور له، (ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز) - رحمه الله تعالى - (فجعل يشكو إليه رجلا) قد (ظلمه، ويقع فيه) ، أي: يتكلم فيه بالسوء (فقال له: إنك أن تلقى الله ومظلمتك كما هي) باقية (خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها) ، أي: أخذت اقتصاصها .

أخرجه أبو نعيم في الحلية (وقال يزيد بن ميسرة) الحضرمي أخو عبد الرحمن: (إن ظللت تدعو على من ظلمك، فإن الله يقول: إن آخر يدعو عليك أنك ظلمته، فإن شئت استجبنا لك وأجبنا عليك، وإن شئتما أخرتكما إلى يوم القيامة، فليسعكما عفوي) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، (وقال مسلم بن يسار) البصري، نزيل مكة، أبو عبد الله الفقيه، ثقة عابد، مات سنة مائة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (لرجل دعا على ظالمه: كل الظالم إلى ظلمه، فإنه أسرع عليه من دعائك إلا أن يتداركه بعمل) صالح (وقمن أن لا يفعل) فيكون هلاكه منه .

أخرجه ابن أبي الدنيا (وعن ابن عمر، عن أبي بكر) - رضي الله عنهما - (أنه قال: بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة، فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس) .

هكذا أخرجه ابن أبي الدنيا، وهذا له حكم المرفوع، فإن الصحابي إذا قال: بلغنا، فإنه يعني به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأحاديث المرفوعة مما تقدم بعضها يشهد لهذا الأثر، (وقال هشام بن محمد) بن السائب الكلبي أبو المنذر: قال الذهبي: في الضعفاء، قال الدارقطني، وغيره: متروك: (أتي النعمان بن المنذر) الغساني من بني ماء السماء (برجلين أحدهما قد أذنب ذنبا عظيما، فعفا عنه، والآخر أذنب ذنبا صغيرا، فعاقبه، وقال:


تعفو الملوك عن العظي م من الذنوب بفضلها ولقد تعاقب في اليسي
ر وليس ذلك لجهلها إلا ليعرف حلمها
ويخاف شدة نكلها )

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، (وعن مبارك بن فضالة) البصري، صدوق يدلس، روى له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (قال: أوفدني) ، أي: أقدمني (سواد بن عبد الله) بن قدامة التميمي البزي البصري، قاضي البصرة، صدوق، محمود السيرة، تكلم فيه الثوري لدخوله في القضاء، وحفيده سوار [ ص: 43 ] بن عبد الله بن سوار قاضي الرصافة، ثقة، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي (في وفد) ، أي: جماعة (من أهل البصرة إلى أبي جعفر) عبد الله العباسي (فكنت عنده; إذ أتي برجل فأمر بقتله، فقلت: يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسن) يعني البصري (قال: وما هو؟ قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، فيقوم مناد، فيقول: من له عند الله تعالى يد فليقم، فلا يقوم إلا من عفا) عن أخيه في مظلمة (قال: والله لسمعته من الحسن؟ فقلت: والله لسمعته منه، فقال: خليا عنه) ، وفي نسخة: خلينا عنه .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، (وقال معاوية) - رحمه الله تعالى -: (عليكم بالحلم، والاحتمال) ، أي: احتمال الأذى (حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم) الفرصة، وقدرتم على الانتقام (فعليكم بالصفح، والإفضال) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو .

(روي أن راهبا) من عباد بني إسرائيل (دخل على هشام بن عبد الملك) بن مروان أيام خلافته (فقال للراهب: أرأيت ذا القرنين) المذكور قصته في القرآن (كان نبيا؟ فقال: لا) لم يكن نبيا (ولكنه) كان رجلا صالحا، (إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كن فيه; كان إذا قدر عفا) ، ولم ينتقم لغضبه (وإذا وعد) أحدا بشيء (وفى) بما وعده، (وإذا حدث صدق) في حديثه ولم يكذب، (ولا يجمع شغل اليوم إلى الغد) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، (وقال بعضهم: ليس الحليم من ظلم فعفا حتى إذا) أمكنته الفرصة و (قدر) عليه (انتقم) منه (ولكن الحليم من ظلم فحلم، ثم قدر فعفا) عنه .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، (وقال زياد بن عبد الله) النميري البصري، روى له الترمذي، وقد ضعف: (القدرة تذهب الحفيظة; يعني الحقد، والغضب) ، وهو اسم من أحفظه إذا أغضبه; يعني إذا قدر على من أغضبه، وتمكن من الانتقام منه يتراجع، فلا يبقى معه حقد في قلبه، ويميل إلى العفو، والصفح، والمعنى من شأن القدرة أن يكون كذلك، وإلا فكم من قادر على التمكن يبادر إلى الانتقام، ولا يعفو، (وأتي هشام) بن عبد الملك (برجل بلغه عن أمر) كرهه (فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته) ، ويبرئ نفسه (فقال له هشام: وتتكلم أيضا) ، أي: مع جنايتك (فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أفنجادل الله، ولا نتكلم بين يديك؟ فقال هشام: بلى، ويحك، تكلم) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو (وروي أن سارقا دخل خباء عمار بن ياسر) - رضي الله عنه - يسرق منه شيئا، وذلك (بصفين) ، وكان مع علي - رضي الله عنه - فأخذ السارق (فقيل له: اقطعه) ، أي: اقطع يده، (فإنه من أعدائنا، قال: بل أستر عليه; لعل الله يستر علينا يوم القيامة) ، فإن من ستر على مؤمن في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة، وإنما لم يقم عمار عليه الحد لكونه لم يتحقق منه سرقة، وإنما كان قصده أن يسرق، ففي مثل هذا العفو والستر حسن، أو أنه خاف أن يكون في إقامة الحد عليه منتصرا لنفسه، لا سيما وقد قالوا: إنه من أعدائنا، (وجلس ابن مسعود) - رضي الله عنه - (في السوق يبتاع) ، أي: يشتري (متاعا فابتاع) ، أي: اشترى (متاعا، ثم طلب الدراهم، وكانت في عمامته) ، أي: مصرورة (فوجدها قد حلت) واختلست الدراهم، (فقال: قد جلست وإنها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها، ويقولون: اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا، فقال عبد الله) - رضي الله عنه -: (اللهم إن كان حملته على أخذها حاجة) اضطرته (فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب) ، أي: من غير حاجة إليها (فاجعله آخر عقوبته) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو (وقال الفضيل) بن [ ص: 44 ] عياض - رحمه الله تعالى -: (ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام، ثم قام ليطوف، فسرقت دنانير كانت معه، فجعل يبكي، فقلت) له: (أعلى) ذهاب (الدنانير تبكي؟ قال: لا، ولكني مثلتني وإياه بين يدي الله) ، أي: مثلت نفسي وإياه (فأشرف عقلي على إدحاض حجته) ، أي: بطلانها (فبكائي رحمة له) حيث لا يجد جوابا يخلص به بين يدي الله، فالنظر في هذا غاية الزهد في الدنيا؛ حيث لم تخطر الدنانير في البال مع كمال احتياجه إليها، وزهد عنها .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، وأبو نعيم في الحلية، (وقال مالك بن دينار) أبو يحيى البصري العابد - رحمه الله تعالى -: (أتينا منزل الحكم بن أيوب) بن يحيى بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف بن الحكم (وهو على البصرة) ، واليا عليها، وقد ذكر الذهبي في ذيل الضعفاء الحكم بن أيوب هذا، وقال: هو ابن عم الحجاج روى عن أبي هريرة، مجهول (ليلا) ، أي: أتيناه بالليل (وجاء الحسن، وهو خائف) ; وذلك لأن أهل البصرة كانوا قد خلعوا بيعة عبد الملك، وأنكروا تولية الحجاج عليهم، وبايعوا عبد الرحمن بن الأشعث، وفيهم القراء، والمشيخة، وانضم إليهم قراء الكوفة، وكان الحجاج قد عاملهم بالظلم، وعذبهم في أخذ الخراج أشد العذاب، وكان ممن بايعه من القراء عقبة بن عامر الكوفي، ومن معه، وميمون بن أبي شبيب، وماهان الأعور القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والفضل بن مروان، وأبو البحتري الطائي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وسفيان بن سلمة، وإبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، وجبلة بن وحر، وجابر الجعفي، والمعرور بن مؤيد، وحمزة بن المغيرة بن شعبة، وسلمة بن كهيل، ومعبد الجهيني، وأيوب بن القرية، فجاء الحجاج بعساكر، وأمده عبد الملك بأهل الشام، وحاصر البصرة مدة حتى ملكها، وهرب ابن الأشعث، فقتل من قتل من القراء في الحرب، وهرب الباقون، ولا يزالون يتتبعون، ويؤخذون إلى أن كان آخر من أخذ منهم سعيد بن جبير، وماهان الأعور، فقتلا، فهذا كان سبب خوف الحسن (فدخلنا عليه مع الحسن، فما كنا معه إلا بمنزلة الفراريج) ، وهي صغار الدجاج (فذكر الحسن) للأمير (قصة يوسف) - عليه السلام - (وما صنع به إخوته من بيعهم إياه، وطرحهم له في الجب، فقال: باعوا أخاهم، وأحزنوا أباهم، وذكر ما لقي) يوسف - عليه السلام - (من كيد النساء، ومن الحبس) مما هو مذكور في القرآن (ثم قال: يا أيها الأمير، ماذا صنع الله به؟ أداله منهم، ورفع ذكره، وأعلى كلمته، وجعله) أمينا (على خزائن الأرض، فماذا صنع حين أكمل له أمره، وجمع له أهله) ، وحضروا بين يديه؟ (قال لهم: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم يعرض) الحسن (للحكم بالعفو عن أصحابه) من القراء; إذ كان فيهم من مالأ مع ابن الأشعث، (قال الحكم: وأنا أقول: لا تثريب عليكم فيغفر الله لكم، ولو لم أجد إلا ثوبي لسترتكم به) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو .

(وكتب ابن المقفع) تقدم ذكره، وكان أحد البلغاء (إلى صديق له يسأله العفو عن إخوانه) ما لفظه: (فلان هارب من زلته إلى عفوك، لائذ منك بك، واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ازداد العفو فضلا) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو (وأتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث) ، وهو عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، جده الأشعث، صحابي، وكان مع علي - رضي الله عنه - في حروبه، زوجه أبو بكر - رضي الله عنه - أخته أم فروة بنت أبي قحافة، فولد له منها محمد، يكنى أبا القاسم، وهو تابعي ثقة، حديثه في السنن، مات سنة سبع وستين، وولده قيس بن محمد، كوفي مقبول، روى له أبو داود، وولده عبد الرحمن، كوفي مجهول الحال، روى له أبو داود، وهو صاحب الواقعة، ويعرف بابن الأشعث نسبة إلى جده الأعلى، ومختصر خبره أن الحجاج بن يوسف كان قد أرسل ابن الأشعث إلى بلاد الترك، فأوغل فيها، وفتح حصونها، فبلغ إليه عن الحجاج ما يسوؤه، فخلع طاعته، وطاعة عبد الملك، ورجع بالعساكر إلى العراق، وملك البصرة، وجمع قراء المصريين، فاجتمع له نحو مائة ألف غير الموالي، وجمع الحجاج الجيوش عليه، والتقيا في دير الجماجم، واستمرت الحرب مائة يوم، وذلك سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، فانكسر ابن الأشعث، وهرب إلى ملك الترك، واستجار به فأجاره، فلم يزل الحجاج يتوعده، ويتهدده، فأمسكه وأهل بيته، ووضع السواجير في أعناقهم، وأرسلهم إلى عمارة بن تميم، والي سجستان [ ص: 45 ] فألقى ابن الأشعث نفسه من قصر عال، فمات، وقتل عمارة جماعة منهم، وبعث برؤوسهم مع بقية الأسارى إلى الحجاج، وبعث بهم الحجاج إلى عبد الملك (فقال) عبد الملك (لرجاء بن حيوة) بن جرول بن الأحنف بن السمط بن امرئ القيس الكندي الفلسطيني يكنى أبا المقدام، ويقال: أبا نصر، قالابن سعد: ثقة فاضل كثير العلم، وقال العجلي، والنسائي: ثقة، وقال: مسلمة بن عبد الملك هو ممن ينزل به الغيث، وينصر به على العدو، ومات سنة اثنتي عشرة ومائة، روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة: (ما ترى؟ قال: الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو .

(وروي أن زيادا) هو والي العراقين، ويعرف بابن أبيه، وبابن سمية، وابنه عبيد الله، وهو الذي تولى حرب الحسين - رضي الله عنه - (أخذ رجلا من الخوارج، فأفلت منه) ، وهرب (فأخذ) زياد (أخا له، فقال: إن جئت بأخيك، وإلا ضربت عنقك، فقال: أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي؟ قال: نعم، قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم) جل جلاله (وأقيم عليه شاهدين) عدلين (إبراهيم، وموسى - عليهما السلام - أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى ، فقال زياد: خلوا سبيله; هذا رجل لقن حجته) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو (وقيل: مكتوب في كتاب الإنجيل: من استغفر لمن ظلمه، فقد هزم الشيطان) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، ومما يستحسن إيراده هنا ما ذكره صاحب خلاصة التواريخ أن المهلب بن أبي صفرة، - وكان يكنى أبا سعيد - بلغه عن رجل شيئا كرهه، فقال له جلساؤه: ألا تأمر بقتله؟ فقال: ما أعرفني بدوائه، فبعث له خمسة آلاف درهم، وتختا من ثياب، وطيب، ثم دخل المهلب على ابن زياد، فلقيه الرجل، فقبل يده، فقال: يدك يد يتقى بها الذم، ويكسب بها الحمد، ويقتل بها العدو، فبلغ ابن زياد ذلك، فقال: كان المهلب أعلم بدوائه .




الخدمات العلمية