القسم الثاني : ما ليس ضروريا لأحد من الخلق كالجاه ، والمال الكثير ، والغلمان ، والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ، ويغضب على من يسرقهما ، وإن كان مستغنيا عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ يجوز أن يكون بصيرا بأمر الدنيا ، فيزهد في الزيادة على الحاجة ، فلا يغضب بأخذها فإنه لا يحب وجودها ، ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها ، والتصدر في المجالس والمباهاة في العلم ، فمن غلب هذا الحب عليه ، فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا ، يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا جلس غيره فوقه ، وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ، ومكارهه ، فأكثرت غضبه ، وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر ، كان صاحبها أحط رتبة ، وأنقص لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرت كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في حاجاته ، وفي شهواته ، وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزن حتى ينتهي بعض الجهال بالعادات الرديئة ، ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له : إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير ، وتناول الطعام الكثير ، وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس بضروري ; لأن حبه ليس بضروري . وأكثر غضب الناس على ما هو غير ضروري ; كالجاه ، والصيت