وكل خلق من هذه الأخلاق ، وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها ، وتنفر عن قبحها ، ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس ، فإذا انمحت عن النفس ، فقد زكت وتطهرت ، عن هذه الرذائل ، وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها .
تسميتهم الغضب شجاعة ، ورجولية ، وعزة نفس ، وكبر همة ، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه ، وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة ، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه ، وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل ، بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل . ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال
فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى إنه يغضب على أهله ، وولده ، وأصحابه .
بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم ، والعفو ، وما استحسن منهم من كظم الغيظ فإن ذلك منقول عن الأنبياء والأولياء ، والحكماء ، والعلماء ، وأكابر الملوك الفضلاء وضد ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة ، والأغبياء الذين لا عقول لهم ، ولا فضل فيهم .