الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآثار قال عمر رضي الله عنه : تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وقال علي رضي الله عنه : ليس الخير أن يكثر مالك ، وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك ، ويعظم حلمك ، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله ، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى ، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى وقال الحسن اطلبوا العلم ، وزينوه بالوقار والحلم وقال أكثم بن صيفي دعامة العقل الحلم ، وجماع الأمر الصبر وقال أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورق فيه إن عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك . قالوا : كيف نصنع ? قال : تقرضهم من عرضك ليوم فقرك وقال علي رضي الله عنه إن : أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل وقال معاوية رحمه الله تعالى : لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله ، وصبره شهوته ، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم وقال معاوية لعمرو بن الأهتم أي الرجال أشجع ? قال : من رد جهله بحلمه ، قال : أي الرجال أسخى ? قال : من بذل دنياه لصلاح دينه وقال أنس بن مالك في قوله تعالى : فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم إلى قوله : عظيم هو الرجل يشتمه أخوه ، فيقول : إن كنت كاذبا ، فغفر الله لك ، وإن كنت صادقا ، فغفر الله لي وقال بعضهم : شتمت فلانا من أهل البصرة فحلم علي فاستعبدني بها زمانا وقال معاوية لعرابة بن أوس بم سدت قومك يا عرابة ? قال : يا أمير المؤمنين ، كنت أحلم عن جاهلهم ، وأعطي سائلهم ، وأسعى في حوائجهم ، فمن فعل فعلي فهو مثلي ، ومن جاوزني فهو أفضل مني ، ومن قصر عني ، فأنا خير منه وسب رجل ابن عباس رضي الله عنهما فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى ، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز أشهد أنك من الفاسقين ، فقال : ليس تقبل شهادتك وعن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه سبه رجل فرمى إليه بخميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم فقال بعضهم : جمع له خمس خصال محمودة : الحلم وإسقاط الأذى وتخليص الرجل مما يبعد من الله عز وجل وحمله ، على الندم والتوبة ، ورجوعه إلى المدح بعد الذم ، اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير وقال رجل لجعفر بن محمد إنه قد وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فأخشى أن يقال لي : إن تركك له ذل ، فقال جعفر : إنما الذليل الظالم وقال الخليل بن أحمد: كان يقال من أساء فأحسن إليه فقد جعل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل إساءته وقال الأحنف بن قيس لست بحليم ولكنني ، أتحلم وقال وهب بن منبه من يرحم يرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطئ ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن لا يدع المراء يشتم ، ومن لا يكره الشر يأثم ومن يكره الشر يعصم ومن يتبع وصية الله يحفظ ومن يحذر الله يأمن ومن يتول الله يمنع ومن لا يسأل الله يفتقر ، ومن يأمن مكر الله يخذل ، ومن يستعن بالله يظفر وقال رجل لمالك بن دينار بلغني أنك ذكرتني بسوء ، قال : أنت إذن أكرم علي من نفسي إني ; إذا فعلت ذلك أهديت لك حسناتي وقال بعض العلماء : الحلم أرفع من العقل ; لأن الله تعالى تسمى به وقال رجل لبعض الحكماء : والله لأسبنك سبا يدخل معك في قبرك فقال معك : يدخل لا معي ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود ، فقالوا له شرا ، فقال لهم خيرا ، فقيل له : إنهم يقولون شرا ، وأنت تقول خيرا ? فقال : كل ينفق مما عنده وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث ; لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ، ولا الشجاع إلا عند الحرب ، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه ودخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاما ، فخرجت امرأة الحكيم ، وكانت سيئة الخلق ، فرفعت المائدة ، وأقبلت على شتم الحكيم ، فخرج الصديق مغضبا ، فتبعه الحكيم ، وقال له : تذكر يوم كنا في منزلك نطعم ، فسقطت دجاجة على المائدة فأفسدت ما عليها ، فلم يغضب أحد منا ? قال : نعم ، قال : فاحسب أن هذه مثل تلك الدجاجة فسري ، عن الرجل غضبه وانصرف ، وقال : صدق الحكيم الحلم ; شفاء من كل ألم وضرب رجل قدم حكيم فأوجعه ، فلم يغضب ، فقيل له في ذلك ، فقال : أقمته مقام حجر تعثرت به فذبحت ، الغضب وقال محمود الوراق .


سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه علي الجرائم     وما الناس إلا واحد من ثلاثة
شريف ومشروف ومثل مقاوم     فأما الذي فوقي فأعرف قدره
وأتبع فيه الحق والحق لازم     وأما الذي دوني فإن قال صنت عن
إجابته عرضي وإن لام لائم     وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا
تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم

.

التالي السابق



الخدمات العلمية