السبب السادس : وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر . حب الرياسة ، وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود ،
وفريد العصر في فنه ، وأنه لا نظير له ، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك ، وأحب موته ، أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة ، أو علم ، أو عبادة ، أو صناعة ، أو جمال ، أو ثروة ، أو غير ذلك مما يتفرد هو به ، ويفرح بسبب تفرده ، وليس السبب في هذا عداوة ، ولا تعزز ، ولا تكبر على المحسود ، ولا خوف من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد .
وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه ، والمنزلة في قلوب الناس للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة ، وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم .