الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما العمل النافع فيه ، فهو أن يحكم الحسد ، فكل ما يتقاضاه الحسد من قول ، وفعل ، فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه ، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له ، والثناء عليه وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له ، والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه ، فمهما فعل ذلك عن تكلف ، وعرفه المحسود طاب قلبه ، وأحبه ، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه ، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد ; لأن التواضع والثناء ، والمدح ، وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ، ويسترقه ، ويستعطفه ، ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان ، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولا طبعا آخرا ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له لو تواضعت ، وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ، ذلك مذلة ، ومهانة وذلك ، من خداع الشيطان ، ومكايده بل المجاملة تكلفا كانت ، أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتفل غربها ، وتعود القلوب التآلف ، والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض .

فهذه هي أدوية الحسد وهي نافعة جدا ، إلا أنها مرة على القلوب جدا ، ولكن النفع في الدواء المر ، فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء ، وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب ، إليهم بالمدح ، والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها ، وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه ، وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل وعند ذلك يريد ما لا يكون إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد ، وفوات المراد ذل وخسة ، ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين : إما بأن يكون ما تريد ، أو بأن تريد ما يكون ، والأول ليس إليك ، ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه وأما الثاني : فللمجاهدة فيه مدخل ، وتحصيله بالرياضة ممكن ، فيجب تحصيله على كل عاقل ، هذا هو الدواء الكلي .

التالي السابق


(وأما العمل النافع فيه، فهو أن يحكم الحسد، فكل ما يتقاضاه الحسد من قول، وفعل، فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه، وضده، فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف نفسه المدح له، والثناء عليه) ، فالقدح والمدح نقيضان إذا حل أحدهما ارتحل الثاني، (وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له، والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف، وعرفه المحسود طاب قلبه، وأحبه، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد وأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد; لأن التواضع، و) حسن (الثناء والمدح، وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه، ويسترقه، ويستعطفه، ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه) ، ويصفو ظاهره (ويصير ما تكلفه أولا) ، أي: في أول مرة (طبعا آخرا) ، أي: في آخر مرة (ولا يصدنه) ، أي: لا يمنعه (من ذلك قول الشيطان له) ، فيما يوسوس إليه (لو تواضعت، وأثنيت عليه حمله العدو على) العجز منك (أو على النفاق، والخوف، وإن ذلك مذلة، ومهانة، فإن ذلك من خدع الشيطان، ومكايده) ، فإنما مقصود الشيطان أن تكون العداوة والبغضاء بين [ ص: 75 ] المسلمين على الأبد (بل المجاملة) على أي حال (تكلفا كانت، أو طبعا تكسر سورة العداوة) ، أي: شدتها، وثورتها (من الجانبين، ويفل) ، أي: يكسر (غربها) ، أي: حدتها (وتعود القلوب) ، أي: يحركها (إلى التآلف، والتحاب) ، والتوادد (وبه تستريح القلوب من ألم الحسد رغم التباغض، فهذه هي أدوية الحسد) علما وعملا (وهي نافعة جدا، إلا أنها مرة جدا، ولكن النفع في الدواء المر، فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء، وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء، أو التقرب إليهم بالمدح، والثناء) ، أو ببذل الإحسان، وغير ذلك (بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها بأن يتحقق بها حتى تنكشف له انكشافا برهانيا، وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله وقدره) ، والتسليم لأوامره (وحب ما أحبه، وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها) ، أي: النفس (جهل) ، وغباوة (وعند ذلك يريد ما لا يكون) مما تبذره القدرة؛ (إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد، وفوات المراد ذل وخسة، ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين: إما بأن يكون ما تريد، أو بأن تريد ما يكون، والأول ليس إليك، ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه أبدا) ، ومن ذلك قولهم: الرب يريد والعبد يريد، ولا يكون في الكون إلا ما يريد .

(وأما الثاني: فللمجاهدة فيه مدخل، وتحصيله بالرياضة ممكن، فيجب تحصيله على كل عاقل، وأن يمرن نفسه بجريانها تحت مجاري الأقدار، ويكلفها بالرضا والتسليم حتى تكون إرادتها تابعة لإرادة الحق سبحانه) ، وترضى بما يكون .

(هذا هو الدواء الكلي) بطريق الإجمال .




الخدمات العلمية