وأما العمل النافع فيه ، فهو أن يحكم الحسد ، فكل ما يتقاضاه الحسد من قول ، وفعل ، فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه ، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له ، والثناء عليه وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له ، والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه ، فمهما فعل ذلك عن تكلف ، وعرفه المحسود طاب قلبه ، وأحبه ، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه ، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد ; لأن التواضع والثناء ، والمدح ، وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ، ويسترقه ، ويستعطفه ، ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان ، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولا طبعا آخرا ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له لو تواضعت ، وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ، ذلك مذلة ، ومهانة وذلك ، من خداع الشيطان ، ومكايده بل المجاملة تكلفا كانت ، أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتفل غربها ، وتعود القلوب التآلف ، والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض .
فهذه هي وهي نافعة جدا ، إلا أنها مرة على القلوب جدا ، ولكن النفع في الدواء المر ، فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء ، وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب ، إليهم بالمدح ، والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها ، وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه ، وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل وعند ذلك يريد ما لا يكون إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد ، وفوات المراد ذل وخسة ، ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين : إما بأن يكون ما تريد ، أو بأن تريد ما يكون ، والأول ليس إليك ، ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه وأما الثاني : فللمجاهدة فيه مدخل ، وتحصيله بالرياضة ممكن ، فيجب تحصيله على كل عاقل ، هذا هو الدواء الكلي . أدوية الحسد