الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الثاني ، وهو المقابل له على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا ; كالتلذذ بالمعاصي كلها ، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الحاجات والضرورات ، الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب ، والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول ، والمواشي والقصور ، والدور ، ورفيع الثياب ، ولذائذ الأطعمة فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة ، وفيما يعد فضولا أو في ، محل الحاجة نظر طويل إذ روي عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل أبا الدرداء على حمص فاتخذ كنيفا أنفق عليه درهمين فكتب إليه عمر من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عويمر قد كان لك في بناء فارس والروم ما تكتفي به عن عمران الدنيا حين أراد الله خرابها ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فقد سيرتك إلى دمشق أنت وأهلك فلم يزل بها حتى مات فهذا رآه فضولا من الدنيا ، فتأمل فيه .

التالي السابق


(القسم الثاني، وهو المقابل له على الطرف الأقصى كل ما فيه للإنسان حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا; كالتلذذ بالمعاصي كلها، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات، والحاجات الداخلة في جملة الرفاهية) ، أي: سعة العيش (والرعونات) ، وهي الوقوف مع مقتضى طباع النفس (كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب، والفضة) ، أي: العدد الكثير منها (والخيل المسومة) ، أي: الفارهة السمينة المعلمة بأنواع الزينة السائمة منها، والمستعدة (والأنعام) المراد بها الأزواج الثمانية (والحرث) الزراعة (والغلمان والجواري) المتخذة للخدمة، (والحيوان، والمواشي) فيه تخصيص بعد التعميم من قوله: والأنعام (والقصور، والدور، ورفيع الثياب، ولذائذ الأطعمة) ، والأشربة (فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة، وفيما يعد فضولا، أو في محل الحاجة نظر طويل) ، فقد يختلف ذلك باختلاف الأشخاص، والأزمان؛ (إذ روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه استعمل أبا الدرداء) عويمر بن عامر - رضي الله عنه - (على حمص) ، وهي مدينة معروفة بالشام (فاتخذ كنيفا) ، أي: حظيرة تستره من حر الشمس (أنفق عليه درهمين) فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه: من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عويمر، وهو اسمه على ما اشتهر، وقيل: بل لقبه، واسمه عامر حكاه الفلاس عن بعض ولده، وبه جزم الأعصمي في رواية الكريمي عنه: (قد كان لك في بناء فارس والروم ما تكتفي به عن عمران الدنيا حين أذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي هذا، فقد سيرتك وأهلك إلى دمشق) ، فلما بلغه الكتاب سار بأهله إلى دمشق، فلم يزل بها حتى مات في خلافة عثمان على الأصح عند أصحاب الحديث .

وقال ابن حبان: ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر.

(فهذا رآه فضولا من الدنيا، فتأمل فيه) كيف عد مثله فضولا مع أن الذي صرف عليه شيء حقير .




الخدمات العلمية