وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن كان حذره من نعيم الدنيا أشد ; حتى أن فالدنيا قليلها وكثيرها حرامها وحلالها ، ملعونة إلا ما أعان على تقوى الله فإن ذلك القدر ليس من الدنيا عيسى عليه السلام وضع رأسه على حجر لما نام ، ثم رماه ; إذ تمثل له إبليس ، وقال : رغبت في الدنيا وحتى أن سليمان عليه السلام في ملكه كان يطعم الناس لذائذ الأطعمة ، وهو يأكل خبز الشعير فجعل الملك على نفسه بهذا الطريق امتهانا وشدة ، فإن الصبر على لذائذ الأطعمة مع القدرة عليها ، ووجودها أشد ; ولهذا روي أن الله تعالى زوى الدنيا عن نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يطوي أياما .
. وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع
ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل كل ذلك نظرا لهم وامتنانا ، عليهم ; ليتوفر من الآخرة حظهم ، كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذة الفواكه ويلزمه ، ألم الفصد ، والحجامة شفقة عليه ، وحبا له لا بخلا عليه وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله ، فهو من الدنيا ، وما هو لله فذلك ليس من الدنيا .
فإن قلت : فما الذي هو لله ? فأقول : الأشياء ثلاثة أقسام ; منها ما لا يتصور أن يكون لله ، وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي ، والمحظورات ، وأنواع التنعمات في المباحات ، وهي الدنيا المحضة المذمومة ، فهي الدنيا ، صورة ومعنى .