وأما الآفات فدينية ، ودنيوية أما . الدينية فثلاث .
الأولى ; : أن تجر إلى المعاصي ، فإن الشهوات متفاضلة والعجز قد يحول بين المرء والمعصية ومن العصمة أن لا يجد ومهما كان الإنسان آيسا عن نوع من المعصية لم تتحرك داعيته فإذا استشعر القدرة عليها انبعثت داعيته والمال نوع من القدرة يحرك داعية المعاصي ، وارتكاب الفجور ، فإن اقتحم ما اشتهاه هلك ، وإن صبر وقع في شدة إذ الصبر مع القدرة أشد وفتنة السراء أعظم من فتنة الضراء .
الثانية أنه : يجر إلى التنعم في المباحات ، وهذا أول الدرجات ، فمتى يقدر صاحب المال على أن يتناول خبز الشعير ، ويلبس الثوب الخشن ويترك لذائذ الأطعمة كما كان يقدر عليه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في ملكه فأحسن أحواله أن لا يتنعم بالدنيا ، ويمرن عليها نفسه فيصير التنعم مألوفا عنده ، ومحبوبا لا يصبر عنه ، ويجره البعض منه إلى البعض ، فإذا اشتد أنسه به ربما لا يقدر على التوصل إليه بالكسب الحلال فيقتحم الشبهات ويخوض في المراءاة والمداهنة ، والكذب ، والنفاق ، وسائر الأخلاق الرديئة لينتظم له أمر دنياه ، ويتيسر له تنعمه ، فإن من كثر ماله كثرت حاجته إلى الناس ، ومن احتاج إلى الناس ، فلا بد وأن ينافقهم ويعصي الله في طلب رضاهم فإن سلم الإنسان من الآفة الأولى ، وهي مباشرة الحظوظ ، فلا يسلم عن هذه أصلا ، ومن الحاجة إلى الخلق تثور العداوة ، والصداقة وينشأ عنه الحسد والحقد ، والرياء ، والكبر ، والكذب ، والنميمة والغيبة ، وسائر المعاصي التي تخص القلب ، واللسان ، ولا يخلو عن التعدي أيضا إلى سائر الجوارح ، وكل ذلك يلزم من شؤم المال ، والحاجة إلى حفظه ، وإصلاحه .
الثالثة : وهي التي لا ينفك عنها أحد ، وهو أنه يلهيه إصلاح ماله عن ذكر الله تعالى ، وكل ما شغل العبد عن الله ، فهو خسران ولذلك قال عيسى عليه الصلاة والسلام : أن يأخذه من غير حله فقيل : إن أخذه من حله ? فقال : يضعه في غير حقه فقيل : إن وضعه في حقه ? فقال : يشغله إصلاحه عن الله تعالى وهذا هو الداء العضال فإن أصل العبادات ، ومخها ، وسرها في المال ثلاث آفات : وصاحب الضيعة يمسي ويصبح متفكرا في خصومة الفلاح ومحاسبته وفي خصومة الشركاء ومنازعتهم في المال والحدود وخصومة أعوان السلطان في الخراج وخصومة الأجراء على التقصير في العمارة وخصومة الفلاحين في خيانتهم وسرقتهم وصاحب التجارة يكون متفكرا في خيانة شريكه ، وانفراده بالربح وتقصيره في العمل ، وتضييعه للمال وكذلك صاحب المواشي وهكذا سائر أصناف الأموال . ذكر الله ، والتفكر في جلاله ، وذلك يستدعي قلبا فارغا
وأبعدها عن كثرة الشغل النقد المكنوز تحت الأرض ولا يزال الفكر مترددا فيما يصرف إليه وفي كيفية حفظه ، وفي الخوف مما يعثر عليه وفي دفع أطماع الناس عنه ، وأودية أفكار الدنيا لا نهاية لها والذي معه قوت يومه في سلامة من جميع ذلك ، فهذه جملة الآفات الدنيوية ، سوى ما يقاسيه أرباب الأموال في الدنيا من الخوف والحزن ، والغم ، والهم ، والتعب في دفع الحساد وتجشم المصاعب في حفظ المال وكسبه فإذا ، ترياق المال أخذ القوت منه وصرف الباقي إلى الخيرات وما عدا ذلك سموم وآفات نسأل الله تعالى السلامة وحسن العون بلطفه وكرمه إنه على ذلك قدير .