الرابع : أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل ، الناس ، والحمقى من الأكراد والأعراب الأجلاف ، ومن لا دين لهم ، ولا عقل ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء وإلى سمت الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة والتابعين ويستمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل الناس ، أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق عند الله ; حتى يهون عليه بذلك الصبر على الضنك ، والقناعة باليسير ، فإنه إن تنعم في البطن فالحمار أكثر أكلا منه ، وإن تنعم في الوقاع فالخنزير أعلى رتبة منه وإن تزين في الملبس والحلي ففي اليهود من هو أعلى زينة منه وإن قنع بالقليل ، ورضي به لم يساهمه في رتبته إلا الأنبياء والأولياء .
الخامس : أن يفهم ما في جمع المال من الخطر كما ذكرنا في آفات المال وما فيه من خوف السرقة ، والنهب ، والضياع وما في خلو اليد من الأمن والفراغ ويتأمل ما ذكرناه في آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة عام ، فإنه إذا لم يقنع مما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء . وأخرج من جريدة الفقراء ويتم ذلك بأن ينظر أبدا إلى من دونه في الدنيا لا إلى من فوقه فإن الشيطان أبدا يصرف نظره في الدنيا إلى من فوقه ، فيقول : لم تفتر عن الطلب ، وأرباب الأموال يتنعمون في المطاعم ، والملابس ويصرف نظره في الدين إلى من دونه ، فيقول : ولم تضيق على نفسك ، وتخاف الله ، وفلان أعلم منك وهو لا يخاف الله والناس كلهم مشغولون بالتنعم فلم تريد أن تتميز عنهم قال أبو ذر أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من هو دوني لا إلى من هو فوقي ، وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نظر أحدكم إلى من فضله الله عليه في المال ، والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه .
فبهذه الأمور يقدر على اكتساب خلق القناعة .
وعماد الأمر الصبر وقصر الأمل ، وأن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام قلائل للتمتع دهرا طويلا فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لشدة طمعه في انتظار الشفاء .


