الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال عيسى عليه السلام : استكثروا من شيء لا تأكله النار وقيل : وما هو ? قال : المعروف وقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجنة دار الأسخياء .

وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار وإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار وجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل وأدوأ الداء البخل .

التالي السابق


(وقال عيسى - عليه السلام -: استكثروا من شيء لا تأكله النار، قيل: وما هو؟ قال: المعروف) نقله صاحب القوت، والمعنى لا تأكل النار صاحبه (وقالت عائشة - رضي الله عنها -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة دار الأسخياء) ; لأن السخاء خلق الله الأعظم - كما ورد في الخبر -، وهو يحب من يتخلق بشيء من أخلاقه; فلذلك صلحوا لجواره في داره .

قال العراقي: رواه ابن عدي ، والدارقطني في المستجاد، والخرائطي.

قال الدارقطني: لا يصح، ومن طريقه روى ابن الجوزي في الموضوعات، وقال الذهبي: حديث منكر ما آفته سوى جحدر .

قلت: رواه الدارقطني فيه من طريق آخر، وفيه محمد بن الوليد الموقري، وهو ضعيف أيضا. انتهى .

قلت: هو في الكامل لابن عدي ، عن زيد بن عبد العزيز، عن جحدر، عن بقية، عن الأوزاعي، عن عائشة، ثم قال: جحدر يسرق الحديث، ويروي المناكير، وكذلك رواه أبو الشيخ في الثواب، والقضاعي في المسند، وقد روي أيضا من حديث أنس، لكن بزيادة: والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة بخيل، ولا عاق والديه، ولا منان بما أعطى.

رواه كذلك ابن عدي ، وأبو الشيخ، والخطيب في ذم البخلاء، والديلمي في المسند .

(وقال أبو هريرة) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن السخي قريب من الله) ، أي: من رحمته، وثوابه، فليس المراد قرب المسافة - تعالى الله عنه - (قريب من الناس) ، أي: من محبتهم، فالمراد قرب المودة (قريب من الجنة) لسعيه فيما يدنيه منها، وسلوكه طريقها، فالمراد هنا قرب المسافة (بعيد من النار) ، والقرب من الجنة، والبعد من النار جائز باعتبار قرب المسافة; لأنهما مخلوقتان، والقرب والبعد إنما هو برفع الحجاب، وعدم رفعه; فإذا قلت: الحجب، قلت: المسافة (وإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس) أما بعده عن الله، فلكون البخل مما أبغضه الله تعالى، فهو بعيد عن رحمته تعالى، وثوابه، وأما بعده عن الناس، فلكونهم يمقتونه فيبعدوه عنه، ويبعد عنهم (بعيد من [ ص: 177 ] الجنة) ; لأنه لم يسلك طريقها (قريب من النار) لكونها حفت بالشهوات، وحجبت بها، والبخل بالمال شهوة نفسية هي طريقه الموصلة إلى النار (وجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) ; لأن الجاهل السخي سريع الانقياد إلى ما يؤمر به من نحو تعلم، وإلى ما ينهى عنه بخلاف العابد البخيل .

قال ابن العربي: وهذا مشكل يباعد الحديث عن الصحة مباعدة كثيرة، وعلى حاله، فيحتمل أن معناه أن الجهل قسمان: جهل بما لا بد من معرفته في عمله، واعتقاده، وجهل بما يعود نفعه على الناس من العلم، فأما المختص به، فعابد بخيل خير منه، وأما الخارج عنه، فجاهل سخي خير منه; لأن الجهل والعلم يعودان للاعتقاد، والسخاء، والبخل للعمل، وعقوبة ذنب الاعتقاد أشد من ذنب العمل. انتهى .

(وأدوأ الداء البخل) ، أي: أعظمه داء .

قال العراقي: رواه الترمذي، وقال: غريب، ولم يذكر فيه: أدوأ الداء البخل، وقد رواه بهذه الزيادة الدارقطني فيه. انتهى .

قلت: سياق المصنف رواه ابن جرير في تهذيبه بتلك الزيادة من حديث أبي هريرة بدون: إن في الجملتين، وقال: والجاهل، وقال: أكبر الداء البخل، وأما الذي رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بدون إن في الموضعين، وبزيادة اللام في جاهل، وبدون تلك الزيادة، فقد رواه من طريق سعد بن محمد الوراق، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وقال: إنه غريب، وإنما يروي هذا عن يحيى بن سعيد، عن عائشة مرسلا. انتهى .

وكذلك رواه العقيلي في الضعفاء، والدارقطني في الأفراد، وابن عدي ، والبيهقي، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والخطيب في كتاب البخلاء، كلهم من حديث أبي هريرة، وقد روي أيضا من حديث جابر، وعائشة، وأنس.

أما حديث جابر، فرواه البيهقي في الشعب، وأما حديث عائشة، فرواه أبو بكر بن أبي داود، عن جعفر بن محمد بن المرزبان، عن خالد بن يحيى، عن غريب بن عبد الواحد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، فزاد فيه سعيدا لكنه غريب لا يعرف، ورواه الدارقطني، والطبراني في الأوسط، والبيهقي، والخطيب من طريق سعيد بن محمد الوراق، وأيضا عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة، وعند بعضهم، عن الوراق، عن يحيى بن عروة، عن عائشة، والوراق، قال الذهبي: ضعيف، وقال البيهقي: تفرد به الوراق وهو ضعيف، ورواه القشيري في الرسالة من طريق سعيد بن مسلمة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، ولكن بدون الجملة الأخيرة، وفيه: والجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل.

وأما حديث أنس، فرواه الطبراني، وفي مسنده محمد بن تميم، وهو وضاع، وقال الدارقطني بعد أن أورد هذا الحديث: له طرق، ولا يثبت منها شيء، فتعلق ابن الجوزي بهذه الزيادة فأورد الحديث في الموضوعات، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر بأنه لا يلزم من هذه العبارة أن يكون موضوعا، فالثابت يشمل الصحيح، والضعيف دونه، وهذا ضعيف، فالحكم عليه بالوضع ليس بجيد .

نقله السخاوي في المفاسد، والشمس الداودي، وغيرهما .




الخدمات العلمية