عن محمد بن المنكدر عن أم درة ، وكانت تخدم رضي الله عنها قالت إن عائشة بعث إليها بمال في غرارتين ثمانين ومائة ألف درهم فدعت بطبق فجعلت تقسمه بين الناس فلما أمست قالت : يا جارية هلمي فطوري ، فجاءتها بخبز وزيت ، فقالت لها معاوية ، أم درة : ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه فقالت ؟ لو كنت ذكرتيني لفعلت .
وعن أبان بن عثمان قال : أراد رجل أن يضار عبد الله بن عباس فأتى وجوه قريش فقال : يقول لكم عبيد الله : تغدوا عندي اليوم ، فأتوه حتى ملؤوا عليه الدار فقال : ما هذا ? فأخبر الخبر ، فأمر عبيد الله بشراء فاكهة وأمر قوما فطبخوا ، وخبزوا ، وقدمت الفاكهة إليهم ، فلم يفرغوا منها حتى وضعت الموائد ، فأكلوا حتى صدروا فقال عبيد الله لوكلائه أموجود : لنا هذا كل يوم ? قالوا : نعم قال : فليتغد عندنا هؤلاء في كل يوم .
وقال مصعب بن الزبير حج معاوية فلما انصرف مر بالمدينة فقال الحسين بن علي لأخيه الحسن لا تلقه ولا تسلم عليه فلما خرج معاوية قال الحسن إن علينا دينا فلا بد لنا من إتيانه فركب في أثره ولحقه فسلم عليه وأخبره بدينه فمروا عليه ببختي عليه ثمانون ألف دينار وقد أعيا وتخلف عن الإبل وقوم يسوقونه فقال معاوية ما هذا فذكر له فقال اصرفوه بما عليه إلى أبي محمد .
وعن واقد بن محمد الواقدي ، قال حدثني : أبي أنه رفع رقعة إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه فوقع على ظهر رقعته إنك رجل اجتمع فيك خصلتان السخاء والحياء ، فأما السخاء ، فهو الذي أطلق . المأمون
ما في يديك وأما وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك ، وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على نفسك وأنت حدثتني وكنت ، على قضاء الحياء ، فهو الذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه الرشيد عن محمد بن إسحق عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير بن العوام يا زبير ، اعلم أن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش ، يبعث الله عز وجل إلى كل عبد بقدر نفقته ، فمن كثر كثر له ، ومن قلل قلل له وأنت أعلم .
قال الواقدي فوالله لمذاكرة إياي بالحديث أحب إلي من الجائزة وهي ، مائة ألف درهم . المأمون
وسأل رجل الحسن بن علي رضي الله عنهما حاجة ، فقال له : يا هذا ، حق سؤالك إياي يعظم لدي ، ومعرفتي بما يجب لك تكبر علي ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات الله تعالى قليل ، وما في ملكي وفاء لشكرك ، فإن قبلت الميسور ، ورفعت عني مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلفه من واجب حقك فعلت فقال يا ابن رسول الله ، أقبل وأشكر العطية ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسن بوكيله ، وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال : هات الفاضل من الثلثمائة ألف درهم ، فأحضر خمسين ألفا ، قال : فما فعلت بالخمسمائة دينار ? قال : هي عندي ، قال : أحضرها ، فأحضرها فدفع الدنانير والدراهم ، إلى الرجل وقال : هات من يحملها لك ، فأتاه بحمالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمالين ، فقال له مواليه : والله ما عندنا درهم ، فقال : أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم .
واجتمع قراء البصرة إلى وهو عامل ابن عباس بالبصرة ، فقالوا : لنا جار صوام قوام يتمنى كل واحد منا أن يكون مثله وقد زوج بنته من ابن أخيه وهو فقير ، وليس عنده ما يجهزها به ، فقام فأخذ بأيديهم وأدخلها داره ، وفتح صندوقا ، فأخرج منه ست بدر فقال احملوا : فحملوا ، فقال عبد الله بن عباس ، ما أنصفناه ، أعطيناه ما يشغله عن قيامه وصيامه ، ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها ، ابن عباس : وما بنا من الكبر ما لا نخدم أولياء الله تعالى ، ففعل ، وفعلوا . فليس للدنيا من القدر ما يشغل مؤمنا عن عبادة ربه ،
وحكي أنه لما أجدب الناس بمصر وعبد الحميد بن سعد أميرهم ، فقال : والله لأعلمن الشيطان أني عدوه فعال محاويجهم إلى أن رخصت الأسعار ثم عزل عنهم ، فرحل وللتجار عليه ألف ألف درهم فرهنهم بها حلي نسائه وقيمتها ، خمسمائة ألف ألف ، فلما تعذر عليه ارتجاعها كتب إليهم ببيعها ، ودفع الفاضل منها عن حقوقهم إلى من لم تنله صلاته .
وكان أبو طاهر بن كثير شيعيا ، فقال له رجل : بحق لما وهبت لي نحلتك بموضع كذا وكذا فقال : قد فعلت ، وحقه لأعطينك ما يليها وكان ذلك أضعاف ما طلب الرجل . علي بن أبي طالب
وكان أبو مرثد أحد الكرماء فمدحه بعض الشعراء ، فقال للشاعر : والله ما عندي ما أعطيك ، ولكن قدمني إلى القاضي وادع علي بعشرة آلاف درهم حتى أقر لك بها ، ثم احبسني فإن أهلي ، لا يتركوني محبوسا ، ففعل ذلك ، فلم يمس حتى دفع إليه عشرة آلاف درهم . وأخرج أبو مرثد من الحبس .
وكان معن بن زائدة عاملا على العراقين بالبصرة فحضر بابه شاعر فأقام مدة ، وأراد الدخول على معن ، فلم يتهيأ له ، فقال يوما لبعض خدام معن : إذا دخل الأمير البستان فعرفني ، فلما دخل الأمير البستان أعلمه ، فكتب الشاعر بيتا على خشبة ، وألقاها في الماء الذي يدخل البستان ، وكان معن على رأس الماء ، فلما بصر بالخشبة أخذها ، وقرأها ، فإذا مكتوب عليها .
أيا جود معن ناج معنا بحاجتي فما لي إلى معن سواك شفيع
فقال من صاحب هذه ? فدعي بالرجل ، فقال له : كيف قلت فقاله ؟ فأمر له بعشر بدر فأخذها ووضع ، الأمير الخشبة تحت بساطه ، فلما كان اليوم الثاني أخرجها من تحت البساط وقرأها ، ودعا بالرجل فدفع إليه مائة ألف درهم ، فلما أخذها الرجل تفكر ، وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه ، فخرج فلما كان في اليوم الثالث قرأ ما فيها ، ودعا بالرجل فطلب ، فلم يوجد ، فقال معن : حق علي أن أعطيه حتى لا يبقى في بيت مالي ، ولا دينار .وقال أبو الحسن المدائني خرج الحسن ، وعبد الله بن جعفر حجاجا ففاتهم أثقالهم ، فجاعوا ، وعطشوا ، فمروا بعجوز في خباء لها ، فقالوا : هل من شراب ? فقالت : نعم ، فأناخوا إليها ، وليس لها إلا شويهة في كسر الخيمة فقالت : احلبوها ، وامتذقوا لبنها ففعلوا ذلك ، ثم قالوا لها : هل من طعام ? قالت : لا ، إلا هذه الشاة ، فليذبحها أحدكم حتى أهيئ لكم ما تأكلون ، فقام إليها أحدهم ، وذبحها ، وكشطها ، ثم هيأت لهم طعاما فأكلوا وأقاموا حتى أبردوا فلما ارتحلوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا فإنا صانعون بك خيرا ، ثم ارتحلوا ، وأقبل زوجها ، فأخبرته بخبر القوم والشاة ، فغضب الرجل ، وقال : ويلك ! تذبحين شاتي لقوم لا تعرفينهم ، ثم تقولين : نفر من قريش ? قال : ثم بعد مدة ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها ، وجعلا ينقلان البعر إليها ، ويبيعانه ويتعيشان ، بثمنه ، فمرت العجوز ببعض سكك والحسين المدينة ، فإذا جالس على باب داره ، فعرف العجوز ، وهي له منكرة فبعث غلامه فدعا بالعجوز وقال ، لها : يا أمة الله أتعرفيني ? قالت : لا ، قال : أنا ضيفك يوم كذا ويوم كذا فقالت العجوز : بأبي أنت ، وأمي أنت هو ? قال : نعم ، ثم أمر الحسن بن علي الحسن فاشتروا لها من شياه الصدقة ألف شاة ، وأمر لها معها بألف دينار ، وبعث بها مع غلامه إلى فقال لها الحسين بكم وصلك أخي ? قالت : بألف شاة ، وألف دينار ، فأمر لها الحسين : أيضا بمثل ذلك ، ثم بعث بها مع غلامه إلى الحسين فقال لها : بكم وصلك عبد الله بن جعفر الحسن ، قالت : بألفي شاة ، وألفي دينار ، فأمر لها والحسين ؟ عبد الله بألفي شاة ، وألفي دينار ، وقال لها : لو بدأت بي لأتعبتهما ، فرجعت العجوز إلى زوجها بأربعة آلاف شاة وأربعة آلاف دينار .
وخرج عبد الله بن عامر بن كريز من المسجد يريد منزله ، وهو وحده فقام إليه غلام من ثقيف ، فمشى إلى جانبه ، فقال له عبد الله : ألك حاجة يا غلام قال : صلاحك ، وفلاحك ; رأيتك تمشي وحدك ، فقلت : أقيك بنفسي ، وأعوذ بالله إن طار بجنابك مكروه فأخذ عبد الله بيده ، ومشى معه إلى منزله ، ثم دعا بألف دينار فدفعها إلى الغلام ، وقال : استنفق هذه ، فنعم ما أدبك أهلك .