الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهذه الأدوية من جهة المعرفة والعلم فإذا عرف بنور البصيرة أن البذل خير له من الإمساك في الدنيا والآخرة هاجت رغبته في البذل إن كان عاقلا فإن تحركت الشهوة فينبغي أن يجيب الخاطر الأول ، ولا يتوقف فإن الشيطان يعده الفقر ، ويخوفه ، ويصده عنه .

حكي . أن أبا الحسن البوشنجي كان ذات يوم في الخلاء فدعا تلميذا له ، وقال : انزع عني القميص وادفعه إلى فلان فقال : هلا صبرت حتى تخرج ، قال لم آمن على نفسي أن تتغير وكان قد خطر لي بذله .

التالي السابق


(فهذه أدوية) نافعة من جهة المعرفة والعلم، فإذا عرف بنور البصيرة أن البذل خير له من الإمساك في الدنيا والآخرة، هاجت رغبته في البذل إن كان عاقلا، فإذا تحركت للبذل (فينبغي أن يجيب الخاطر الأول، ولا يتوقف) ، ومن هنا قال بعضهم: الجود هو إجابة الخاطر الأول; أي: لأنه لو لم يجب لخيف على صاحبه تغيره فيما عزم عليه (لأن الشيطان يعده الفقر، ويخوفه، ويصده عنه .

يحكى أن أبا الحسن) علي بن أحمد بن سهل (البوشنجي) بضم الموحدة، وفتح الشين المعجمة، وسكون النون، وبوشنج إحدى قرى مرو، وأبو الحسن هذا أحد فتيان خراسان، لقي أبا عثمان، وابن عطاء، والجريري، وأبا عمرو الدمشقي، مات سنة 248، ترجم له القشيري في الرسالة (كان ذات يوم في الخلاء) يقضي حاجته، فوقع في خاطره أن فقيرا يعرفه محتاج إلى قميص (فدعا تلميذا له، وقال: انزع عني) هذا (القميص وادفعه إلى فلان) ، وسماه (فقال: هلا صبرت) إلى فراغك من قضاء حاجتك (حتى تخرج، قال: خطر لي بذله، ولم آمن على نفسي أن تتغير) على ما وقع لي من التخلف منه بذلك القميص، فاستعجلت بالنزع والدفع ليتعذر رجوعها .

نقله القشيري في الرسالة، فقال: سمعت بعض أصحاب أبي الحسن البوشنجي يقول: كان أبو الحسن البوشنجي في الخلاء، فذكره .

وذكر صاحب صفوة التاريخ أن المهدي حبس موسى بن جعفر الكاظم ببغداد، فبينما هو يصلي ليلة من الليالي; إذ مر في قراءته بهذه الآية: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم فرددها، وبكى، وكان أحسن الناس صوتا، ثم دعا بالربيع، فقال: ائتني بموسى، قال الربيع: فشككت بين موسى الهادي، وبين موسى بن جعفر، وعلمت أنه إنما أراد موسى بن جعفر; لأني سمعته يقرأ: وتقطعوا أرحامكم فأتيته على حاله يقرأ، ويبكي، فقال له: يا أبا الحسن، قرأت هذه الآية، فخطرت ببالي، وخفت أن أكون قد قطعت رحمك، فتؤمنني أن تخرج على أحد من ولدي؟ قال: ومن أنا حتى تتخوفني؟ والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني، قال: يا ربيع، ادفع إليه الساعة ثلاثة آلاف دينار، وأشخصه من فوره إلى أهله; لا يفسد الشيطان علي قلبي، قال الربيع: فما طلع الفجر حتى دفعت إليه المال، وأنهضته إلى المدينة.




الخدمات العلمية