وبلغنا أن قدمت عليه عير من عبد الرحمن بن عوف اليمن فضجت المدينة ضجة واحدة ، فقالت رضي الله عنها ما هذا ؟ قيل : عير قدمت عائشة لعبد الرحمن ، قالت : صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك عبد الرحمن ، فسألها ، فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إني يدخلها معهم حبوا ، عبد الرحمن بن عوف ، فقال رأيت الجنة فرأيت فقراء المهاجرين والمسلمين يدخلون سعيا ، ولم أر أحدا من الأغنياء يدخلها معهم إلا عبد الرحمن : إن العير وما عليها في سبيل الله ، وإن أرقاءها أحرار ؛ لعلي أدخلها معهم سعيا وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أما لعبد الرحمن بن عوف إنك أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي ، وما كدت أن تدخلها إلا حبوا .
ويحك أيها المفتون ! فما احتجاجك بالمال وهذا عبد الرحمن في فضله ، وتقواه ، وصنائعه المعروف ، وبذله الأموال في سبيل الله مع صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبشراه بالجنة أيضا .
يوقف في عرصات القيامة وأهوالها بسبب ماله كسبه من حلال للتعفف ولصنائع المعروف ، وأنفق منه قصدا وأعطى في سبيل الله سمحا .
منع من السعي إلى الجنة مع الفقراء المهاجرين ، وصار يحبو في آثارهم حبوا فما ظنك بأمثالنا الغرقى في فتن الدنيا ؟! وبعد ، فالعجب كل العجب لك يا مفتون تتمرغ في تخاليط الشبهات والسحت وتتكالب ، على أوساخ الناس وتتقلب ، في الشهوات والزينة والمباهاة وتتقلب ، في فتن الدنيا ، ثم تحتج بعبد الرحمن وتزعم أنك إن جمعت المال فقد جمعه الصحابة كأنك أشبهت السلف ، وفعلهم ، ويحك ! إن هذا من قياس إبليس ومن فتياه لأوليائه وسأصف لك أحوالك ، وأحوال السلف ؛ لتعرف فضائحك ، وفضل الصحابة .
ولعمري لقد ولم يمنعوا منها حقا ولم يبخلوا بها لكنهم ، جادوا لله بأكثرها ، وجاد بعضهم بجميعها ، وفي الشدة آثروا الله على أنفسهم كثيرا ، فبالله أكذلك أنت ؟! والله إنك لبعيد الشبه بالقوم . كان لبعض الصحابة أموال أرادوها للتعفف والبذل في سبيل الله ، فكسبوا حلالا ، وأكلوا طيبا ، وأنفقوا قصدا ، وقدموا فضلا
وبعد ، فإن أخيار الصحابة كانوا للمسكنة محبين ، ومن خوف الفقر آمنين ، وبالله في أرزاقهم واثقين ، وبمقادير الله مسرورين ، وفي البلاء راضين ، وفي الرخاء شاكرين ، وفي الضراء صابرين ، وفي السراء حامدين ، وكانوا لله متواضعين ، وعن حب العلو والتكاثر ورعين .
لم ينالوا من الدنيا إلا المباح لهم بالبلغة منها وزجوا الدنيا وصبروا على مكارهها ، وتجرعوا مرارتها ، وزهدوا في نعيمها وزهرتها .
، فبالله أكذلك أنت؟! .