ثم تزعم أنك تجمع المال من الحلال ! ويحك أين ! الحلال فتجمعه .
؟! وبعد ، فلو كان الحلال موجودا لديك أما تخاف أن يتغير عند الغنى قلبك ؟! وقد بلغنا أن بعض الصحابة كان يرث المال الحلال فيتركه ؛ مخافة أن يفسد قلبه أفتطمع أن يكون قلبك أتقى من قلوب الصحابة فلا يزول عن شيء من الحق في أمرك وأحوالك ؟! لئن ظننت ذلك لقد أحسنت الظن بنفسك الأمارة بالسوء ويحك ! إني لك ناصح ، أرى لك أن تقنع بالبلغة ولا تجمع المال لأعمال البر ولا تتعرض للحساب ؛ فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : وقال عليه السلام: : من نوقش الحساب عذب ويؤتى برجل قد جمع مالا من حلال وأنفقه في حرام، فيقال: اذهبوا به إلى النار، فيؤتى برجل قد جمع مالا من حلال وأنفقه في حلال، فيقال له: قف؛ لعلك قصرت في طلب هذا بشيء مما فرضت عليك من صلاة لم تصلها لوقتها، وفرطت في شيء من ركوعها وسجودها ووضوئها، فيقول: لا يا رب، كسبت من حلال وأنفقت في حلال، ولم أضيع شيئا مما فرضت علي، فيقال: لعلك اختلت في هذا المال في شيء من مركب، أو ثوب باهيت به، فيقول: لا يا رب لم أختل، ولم أباه في شيء، فيقال: لعلك منعت حق أحد أمرتك أن تعطيه من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فيقول: لا يا رب، كسبت من حلال، وأنفقت في حلال، ولم أضيع شيئا مما فرضت علي، ولم أختل ولم أباه ولم أضيع حق أحد أمرتني أن أعطيه، قال: فيجيء أولئك فيخاصمونه، فيقولون: يا رب أعطيته وأغنيته وجعلته بين أظهرنا، وأمرته أن يعطينا، فإن كان أعطاهم وما ضيع مع ذلك شيئا من الفرائض، ولم يختل في شيء، فيقال: قف الآن هات شكر كل نعمة أنعمتها عليك من أكلة أو شربة أو لقمة أو لذة، فلا يزال يسأل ويحك ! فمن ذا الذي يتعرض لهذه المسألة التي كانت لهذا الرجل ، الذي تقلب في الحلال ، وقام بالحقوق كلها ، وأدى الفرائض بحدودها ، حوسب هذه المحاسبة ؟! فكيف ترى يكون حال أمثالنا الغرقى في فتن الدنيا وتخاليطها وشبهاتها وشهواتها وزينتها ؟! ويحك ! لأجل هذه المسائل يخاف المتقون أن يتلبسوا بالدنيا فرضوا بالكفاف منها ، وعملوا بأنواع البر من كسب المال ، فلك ويحك ! بهؤلاء الأخيار أسوة ، فإن أبيت ذلك وزعمت أنك بالغ من الورع والتقوى ، ولم تجمع المال إلا من حلال بزعمك للتعفف والبذل في سبيل الله ، ولم تنفق شيئا من الحلال إلا بحق ، ولم يتغير بسبب المال قلبك عما يحب الله ولم تسخط الله في شيء من سرائرك وعلانيتك ، ويحك ! فإن كنت كذلك ولست كذلك فقد ينبغي لك أن ترضى بالبلغة وتعتزل ذوي الأموال إذا وقفوا للسؤال وتستبق ، مع الرعيل الأول في زمرة المصطفى لا حبس عليك للمسألة والحساب ، فإما سلامة وإما عطب . « يؤتى برجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام ، وأنفقه في حرام ، فيقال : اذهبوا به إلى النار ،
فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقال عليه السلام : يدخل صعاليك المهاجرين قبل أغنيائهم الجنة بخمسمائة عام يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم فيتمتعون ويأكلون، والآخرون جثاة على ركبهم، فيقول: قبلكم طلبتي، أنتم حكام الناس وملوكهم، فأروني ماذا صنعتم فيما أعطيتكم؟!
.