الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن محمد بن واسع قال: دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت: يا بلال إن أباك حدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في جهنم واديا يقال له هبهب ، حق على الله أن يسكنه كل جبار ، فإياك يا بلال أن تكون ممن يسكنه .

وقال صلى الله عليه وسلم : « إن في النار قصرا يجعل فيه المتكبرون ويطبق عليهم » .

وقال صلى الله عليه وسلم « اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء » .

وقال: « من فارق روحه جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة ، الكبر والدين والغلول .

الآثار :

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يحقرن أحد أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير وقال وهب لما خلق الله جنة عدن نظر إليها ، فقال : أنت حرام على كل متكبر .

وكان الأحنف بن قيس يجلس مع مصعب بن الزبير على سريره ، فجاء يوما ومصعب ماد رجليه فلم يقبضهما وقعد الأحنف فزحمه بعض الزحمة ، فرأى أثر ذلك في وجهه فقال عجبا لابن آدم ! يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين .

وقال الحسن العجب من ابن آدم ، يغسل الخرء بيده كل يوم مرة أو مرتين ، ثم يعارض جبار السموات .

وقد قيل في وفي أنفسكم أفلا تبصرون .

هو سبيل الغائط والبول .

وقد قال محمد بن الحسين بن علي ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك ، قل أو كثر .

وسئل سليمان عن السيئة التي لا تنفع معها حسنة فقال : الكبر . وقال النعمان بن بشير على المنبر إن للشيطان مصالي وفخوخا وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله .

نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه .

التالي السابق


(وعن محمد بن واسع) بن جابر بن الأخنس البصري، ثقة، عابد، كثير المناقب، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (قال: دخلت على بلال بن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة، مات سنة نيف وعشرين، روى له البخاري معلقا والترمذي (فقلت: يا بلال إن أباك) أبا بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل: [ ص: 344 ] اسمه عامر، وقيل: الحارث، ثقة، مات سنة أربعمائة، روى له الجماعة (حدثني عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري -رضي الله عنه- صحابي مشهور، أمره عمر، ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، مات سنة خمسين، وقيل: بعدها (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في جهنم واديا يقال له هبهب، حق على الله أن يسكنه كل جبار، فإياك يا بلال أن تسكنه) قال العراقي: رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد .

قلت: فيه أزهر بن سنان، ضعفه ابن معين وابن حبان، وأورد له في الضعفاء هذا الحديث. اهـ .

قلت: قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد بن مخلد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا أزهر بن سنان القرشي، حدثنا محمد بن واسع قال: "دخلت على بلال بن أبي بردة، فقلت: يا بلال إن أباك حدثني عن جدك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن في جهنم واديا، ولذلك الوادي بئر يقال لها هبهب، حق على الله أن يسكنها كل جبار، فإياك أن تكون منهم".

قلت: ورواه كذلك العقيلي، وابن عدي، وابن عساكر، وقال أبو نعيم بعد أن أورد الحديث: هذا حديث تفرد به أزهر، عن محمد، وحدث به أحمد بن حنبل وأبو خيثمة، عن يزيد بن هارون بمثله .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في النار قصرا يجعل فيه المتكبرون ويطبق عليهم") قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث أنس، وقال: "توابيت" مكان "قصرا" وقال: "فيقفل" مكان "يطبق" وفيه أبان بن عياش وهو ضعيف .

(وقال صلى الله عليه وسلم) في دعائه: ("اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء ") قال العراقي: لم أره بهذا اللفظ .

وروى أبو داود وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم مرفوعا في أثناء حديث "أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه" قال: نفثه الشعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة .

ولأصحاب السنن من أبي حديث أبي سعيد الخدري نحوه، تكلم فيه أبو داود، وقال الترمذي: هذا أشد حديث في الباب .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "من فارق روحه جسده وهو بريء من ثلاثة دخل الجنة، الكبر والدين والغلول") قال العراقي: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ثوبان بإسناد صحيح، وذكر المصنف لهذا الحديث فيها موافق للمشهور في الرواية أنه الكبر بالموحدة والراء، ولكن ذكر ابن الجوزي في جامع المسانيد، عن الدارقطني قال: إنما هو الكنز، بالنون والزاي، وكذلك أيضا ذكر ابن مردويه في تفسير: والذين يكنزون الذهب والفضة اهـ .

قلت: ورواه أيضا أحمد والدارمي وأبو يعلى والروياني وابن حبان والحاكم وأبو نعيم والبيهقي والضياء، ووقع في روايتهم "الغل" بدل "الغلول" .

(الآثار: قال أبو بكر الصديق) رضي الله عنه (لا يحقرن أحد أحدا من المسلمين) وفي نسخة: لا تحقرن أحدا من المسلمين (فإن صغير المسلمين عند الله كبير) رواه أبو عبد الرحمن السلمي، والديلمي في مسند الفردوس، من حديثه مرفوعا، بلفظ: "لا تحقرن من المسلمين أحدا" والباقي سواء .

(وقال وهب) بن منبه -رحمه الله تعالى-: (لما خلق الله جنة عدن نظر إليها، فقال: أنت حرام على كل متكبر) .

روى الطبراني من حديث ابن عباس: "لما خلق الله -عز وجل- جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ثم قال لها تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون ".

زاد ابن عساكر، ثم قالت: "أنا حرام على كل بخيل ومراء، ثم أطبقها، فلم ير ما فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل" وقد تقدم ذلك في ذم الرياء .

(وكان الأحنف بن قيس) بن معاوية التميمي أبو شجر البصري، أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، قال العجلي: بصري، تابعي، ثقة، وكان سيد قومه (يجلس مع مصعب بن الزبير) بالبصرة، وكان أخوه عبد الله بن الزبير قد ولاه عليها (على سرير، فجاء) الأحنف (يوما ومصعب ماد رجليه فلم يقبضهما) لدخوله (وقعد الأحنف) على السرير على عادته (فزاحمه بعض الزحمة، فرأى أثر ذلك في وجهه فقال) الأحنف: (عجبا لابن آدم! يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين) مرة من مجرى بول أبيه، وثانية من مجرى بول أمه .

ومات الأحنف في ولاية مصعب، روي عن عتبة بن صعصعة قال: رأيت مصعب بن الزبير في جنازة الأحنف متقلدا سيفا، ليس عليه رداء، وهو يقول: ذهب اليوم الحزم والرأي .

(وقال الحسن ) البصري رحمه الله تعالى: (العجب من ابن آدم، يغسل الخراء بيده كل [ ص: 345 ] يوم مرة أو مرتين، ثم يتكبر يعارض جبار السموات، وقد قيل) في تأويل قوله تعالى: ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون هو سبيل البول والغائط) ولفظ القوت: وقال بعض أهل التفسير في تأويل قوله تعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون قال: مواضع البول والغائط، أي: فتعتبروا به مثال الدنيا، وقبح عاقبتها، وتغيرها إلى الآخرة .

(وقال) أبو جعفر (محمد بن الحسين بن علي) بن أبي طالب -رضي الله عنهم- كذا في النسخ، وصوابه: محمد بن علي بن الحسين بن علي: (ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قل أو كثر) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، عن أبيه، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين، حدثنا أبو الربيع الرشديني، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني إبراهيم بن النشيط، عن عمر مولى غفرة، عن محمد بن علي بن الحسين قال: "ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر" فذكره .

(وسئل سلمان) الفارسي -رضي الله عنه-: (عن السيئة التي لا تنفع معها حسنة، قال: الكبر. وقال النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة، ثم سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين، وله أربع وستون سنة (إن للشيطان مصالي) وهي تشبه الشرك، جمع مصلاة، والمراد: ما يستفز به الناس من زينة الدنيا وشهواتها (وفخوخا) جمع فخ، آلة يصاد بها (وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله) أي: الطغيان عند النعمة (والفخر بإعطاء الله) أي: ادعاء العظم والشرف (والكبر على عباد الله) أي: التعاظم والترفع عليهم (واتباع الهوى في غير ذات الله) .

فهذه الخصال أخلاقه، وهي فخوخه ومصائده التي نصبها لبني آدم، فإذا أراد الله بعبد شر خلى بينه وبين الشيطان، فيقع في شبكته، فكان من الهالكين، ومن أراد به خيرا أيقظه ليجتنب تلك الخصال، ويتباعد عنها؛ ليصير من أهل الكمال، هكذا أورده المصنف موقوفا على النعمان .

وقد روي ذلك مرفوعا بلفظ: "البطر بنعم الله، والفخر بعطاء الله" والباقي سواء، هكذا رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق، والبيهقي في الشعب، وابن عساكر في التاريخ، وفي الإسناد إسماعيل بن عياش، مختلف فيه. والله أعلم .




الخدمات العلمية