وأما العلاج العملي فهو ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين ، كما وصفناه وحكيناه من أحوال الصالحين ، ومن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه « كان يأكل على الأرض ويقول : التواضع لله بالفعل وقيل: لسلمان لم لا تلبس ثوبا جديدا، فقال: إنما أنا عبد، فإذا أعتقت يوما لبست جديدا أشار به إلى العتق في الآخرة ، ولم يتم التواضع بعد المعرفة إلا بالعمل؛ ولذلك أمر العرب الذين تكبروا على الله ورسوله بالإيمان وبالصلاة جميعا وقيل: الصلاة عماد الدين « إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد » وقد كان العرب قديما يأنفون من الانحناء فكان يسقط من يد الواحد منهم سوطه فلا ينحني لأخذه، وينقطع شراك نعله فلا ينكس رأسه لإصلاحه، حتى قال وفي الصلاة أسرار لأجلها كانت عمادا، ومن جملتها ما فيها من التواضع بالمثول قائما، وبالركوع والسجود، حكيم بن حزام بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم ثم فقه وكمل إيمانه بعد ذلك، فلما كان السجود عندهم هو منتهى الذلة والضعة أمروا به لتنكسر ؛ بذلك خيلاؤهم ، ويزول كبرهم ، ويستقر التواضع في قلوبهم وبه أمر سائر الخلق ؛ فإن الركوع والسجود والمثول قائما هو العمل الذي يقتضيه التواضع ، فكذلك من عرف نفسه فلينظر كل ما يتقاضاه الكبر من الأفعال فليواظب على نقيضه حتى يصير التواضع له خلقا فإن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعا ؛ وذلك لخفاء العلاقة بين القلوب والجوارح ، وسر الارتباط الذي بين عالم الملك وعالم الملكوت ، والقلب من عالم الملكوت .