وإذا صرفت عنه ظن أنها هوان كما أخبر الله تعالى عنه إذ قال : والمغرور إذا أقبلت عليه الدنيا ظن أنها كرامة من الله فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن فأجاب الله عن ذلك كلا أي : ليس كما قال ، إنما هو ابتلاء نعوذ بالله من شر البلاء ونسأل الله التثبيت ، فبين أن ذلك غرور قال الحسن كذبهما جميعا بقوله : كلا يقول ليس : هذا بإكرامي ، ولا هذا بهواني ، ولكن الكريم من أكرمته بطاعتي غنيا كان أو فقيرا ، والمهان من أهنته بمعصيتي غنيا كان أو فقيرا .
معرفة دلائل الكرامة والهوان ; إما بالبصيرة أو بالتقليد . وهذا الغرور علاجه
أما البصيرة فبأن يعرف وجه كون الالتفات إلى شهوات الدنيا مبعدا عن الله ، ووجه كون التباعد عنها مقربا إلى الله ويدرك ذلك بالإلهام في منازل العارفين والأولياء وشرحه من جملة علوم المكاشفة ، ولا يليق بعلم المعاملة .
وأما معرفته بطريق التقليد والتصديق ، فهو أن يؤمن بكتاب الله تعالى ويصدق رسوله وقد قال تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون وقال تعالى : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وقال تعالى : فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون وفي تفسير قوله تعالى : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون أنهم كلما أحدثوا ذنبا أحدثنا لهم نعمة ليزيد غرورهم وقال تعالى : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وقال تعالى : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار إلى غير ذلك مما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فمن آمن به تخلص من هذا الغرور فإن منشأ هذا الغرور الجهل بالله وبصفاته ، فإن من عرفه لا يأمن مكره ، ولا يغتر بأمثال هذه الخيالات الفاسدة وينظر إلى فرعون وهامان وقارون وإلى ملوك الأرض وما جرى لهم كيف أحسن الله إليهم ابتداء ثم دمرهم تدميرا فقال تعالى : هل تحس منهم من أحد الآية ، وقد حذر الله تعالى من مكره واستدراجه فقال : فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، وقال تعالى : ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ، وقال عز وجل : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين وقال تعالى : إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا فكما لا يجوز للعبد المهمل أن يستدل بإهمال السيد إياه وتمكينه من النعم على حب السيد بل ينبغي أن يحذر أن يكون ذلك مكرا منه وكيدا مع أن السيد لم يحذره مكر نفسه فبأن يجب ذلك في حق الله تعالى مع تحذيره استدراجه أولى ، فإذن من أمن مكر الله فهو مغتر ومنشأ هذا الغرور أنه استدل بنعم الدنيا على أنه كريم عند ذلك المنعم واحتمل أن يكون ذلك دليل الهوان ، ولكن ذلك الاحتمال لا يوافق الهوى فالشيطان ، بواسطة الهوى يميل بالقلب إلى ما يوافقه ، وهو التصديق بدلالته على الكرامة ، وهذا هو حد الغرور .