الصنف الثالث وما أغلب الغرور عليهم ، والمغترون منهم فرق كثيرة . المتصوفة
ففرقة منهم وهم إلا من عصمه الله اغتروا بالزي والهيئة والمنطق فساعدوا الصادقين من الصوفية في زيهم وهيئتهم وفي ألفاظهم وفي آدابهم ومراسمهم واصطلاحاتهم وفي أحوالهم الظاهرة في السماع ، والرقص والطهارة ، والصلاة ، والجلوس على السجادات مع إطراق الرأس وإدخاله في الجيب كالمتفكر ، وفي تنفس الصعداء وفي خفض الصوت في الحديث إلى غير ذلك من الشمائل والهيئات ، فلما تكلفوا هذه الأمور وتشبهوا بهم فيها ظنوا أنهم أيضا صوفية ولم يتعبوا أنفسهم قط في المجاهدة والرياضة ومراقبة القلب وتطهير الباطن والظاهر من الآثام الخفية والجلية ، وكل ذلك من أوائل منازل التصوف ولو فرغوا عن جميعها لما جاز لهم أن يعدوا أنفسهم في الصوفية كيف ولم يحوموا قط حولها ، ولم يسوموا أنفسهم شيئا منها ، بل يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال السلاطين ويتنافسون في الرغيف والفلس والحبة ، ويتحاسدون على النقير والقطمير ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه في شيء من غرضه . متصوفة أهل الزمان
وهؤلاء غرورهم ظاهر ومثالهم مثال امرأة عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال من المقاتلين ثبت أسماؤهم في الديوان ويقطع لكل واحد منهم قطر من أقطار المملكة فتاقت نفسها إلى أن يقطع لها مملكة فلبست درعا ووضعت على رأسها مغفرا وتعلمت من رجز الأبطال أبياتا وتعودت إيراد تلك الأبيات بنغماتهم حتى تيسرت عليها وتعلمت كيفية تبخترهم في الميدان وكيف تحريكهم بالأيدي وتلقفت جميع شمائلهم في الزي والمنطق والحركات والسكنات ، ثم توجهت إلى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان الشجعان ، فلما وصلت إلى المعسكر أنفذت إلى ديوان العرض ، وأمر بأن تجرد عن المغفر والدرع وينظر ، ما تحته وتمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ، ليعرف قدر عنائها في الشجاعة فلما جردت عن المغفر والدرع ، فإذا هي عجوز ضعيفة زمنة لا تطيق حمل الدرع والمغفر فقيل لها : أجئت للاستهزاء بالملك وللاستخفاف بأهل حضرته والتلبيس عليهم ، خذوها فألقوها قدام الفيل لسخفها فألقيت إلى الفيل .
فكهذا يكون حال المدعين للتصوف في القيامة إذا كشف عنهم الغطاء ، وعرضوا على القاضي الأكبر الذي لا ينظر إلى الزي والمرقع بل إلى القلب .