وفرقة أخرى وقعت في الإباحة وطووا بساط الشرع ورفضوا الأحكام وسووا بين الحلال والحرام فبعضهم يزعم إن الله مستغن عن عملي فلم أتعب نفسي وبعضهم يقول : قد كلف الناس تطهير القلوب عن الشهوات ، وعن حب الدنيا ، وذلك محال ، فقد كلفوا ما لا يمكن وإنما يغتر به من لم يجرب ، وأما نحن فقد جربنا وأدركنا أن ذلك محال .
ولا يعلم الأحمق أن الناس لم يكلفوا قلع الشهوة والغضب من أصلهما ، بل إنما كلفوا قلع مادتهما بحيث ينقاد كل واحد منهما لحكم العقل والشرع .
وبعضهم يقول : الأعمال بالجوارح لا وزن لها ، وإنما النظر إلى القلوب ، وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله ، وإنما نخوض في الدنيا بأبداننا ، وقلوبنا عاكفة في حضرة الربوبية فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب ، ويزعمون أنهم قد ترقوا عن رتبة العوام واستغنوا عن تهذيب النفس بالأعمال البدنية وأن الشهوات لا تصدهم عن طريق الله لقوتهم فيها ، ويرفعون درجة أنفسهم على درجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ كانت تصدهم عن طريق الله خطيئة واحدة حتى كانوا يبكون عليها وينوحون ، سنين متوالية وأصناف لا تحصى وكل ذلك بناء على أغاليط ووساوس يخدعهم الشيطان بها لاشتغالهم بالمجاهدة قبل إحكام العلم ومن غير اقتداء بشيخ متقن في الدين والعلم صالح للاقتداء به وإحصاء أصنافهم يطول . غرور أهل الإباحة من المتشبهين بالصوفية