فإن قلت : قد قربت الأمر فيه مع أنك أكثرت في ذكر مداخل الغرور ؟ فاعلم أنه ينجو منه بثلاثة أمور بالفعل ، والعلم ، والمعرفة . فبم
فهذه ثلاثة أمور لا بد منها .
أما العقل فأعني به الفطرة الغريزية والنور الأصلي الذي به يدرك الإنسان حقائق الأشياء فالفطنة والكيس فطرة ، والحمق والبلادة فطرة ، فصفاء العقل ، وذكاء الفهم لا بد منه في أصل الفطرة ، فهذا إن لم يفطر عليه الإنسان فاكتسابه غير ممكن . والبليد لا يقدر على التحفظ عن الغرور
نعم إذا حصل أصله أمكن تقويته بالممارسة فأساس السعادات كلها العقل ، والكياسة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تبارك الله الذي قسم العقل بين عباده أشتاتا ؛ إن الرجلين ليستوي عملهما وبرهما وصومهما وصلاتهما ، ولكنهما يتفاوتان في العقل كالذرة في جنب أحد وما قسم الله لخلقه حظا أفضل من العقل واليقين .
وعن أبي الدرداء أنه قيل : يا رسول الله أرأيت الرجل يصوم النهار ، ويقوم الليل ويحج ويعتمر ويتصدق ، ويغزو في سبيل الله ، ويعود المريض ، ويشيع الجنائز ، ويعين الضعيف ولا ، يعلم منزلته عند الله يوم القيامة ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما يجزى على قدر عقله .
وقال أنس أثني على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا خيرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف عقله ? قالوا : يا رسول الله نقول من عبادته وفضله وخلقه ، فقال : كيف عقله ? فإن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر .
وإنما يقرب الناس يوم القيامة على قدر عقولهم .
وقال أبو الدرداء . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شدة عبادة سأل عن عقله ، فإذا قالوا : حسن . قال : أرجوه ، وإن قالوا كان غير ذلك قال : لن يبلغ
وذكر له شدة عبادة رجل فقال : كيف عقله ? قالوا : ليس بشيء قال : لن يبلغ صاحبكم حيث تظنون .