فإن قلت فأقول إذا لم يكن له قصد إلا هدايتهم لله تعالى ، وكان يود لو وجد من يعينه ، أو لو اهتدوا بأنفسهم وانقطع بالكلية طمعه عن ثنائهم وعن أموالهم ، فاستوى عنده حمدهم وذمهم ، فلم يبال بذمهم إذا كان الله يحمده ولم يفرح بحمدهم إذ لم يقترن به حمد الله تعالى ونظر ، إليهم كما ينظر إلى السادات وإلى البهائم . فمتى يصح له أن يشتغل بنصح الناس ؟
أما إلى السادات فمن حيث إنه لا يتكبر عليهم ويرى كلهم خيرا منه لجهله بالخاتمة .
وأما إلى البهائم فمن حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم ; فإنه لا يبالي كيف تراه البهائم ، فلا يتزين لها ولا يتصنع بل راعي الماشية إنما غرضه رعاية الماشية ودفع الذئب عنها ، دون نظر الماشية إليه .
فما لم ير سائر الناس كالماشية التي لا يلتفت إلى نظرها ، ولا يبالي بها لا يسلم من الاشتغال بإصلاحهم .
نعم ربما يصلحهم ، ولكن يفسد نفسه بإصلاحهم ، فيكون كالسراج يضيء لغيره ، ويحترق في نفسه .