وأما الفرار من الزحف فهذا أيضا ينبغي أن يكون من حيث القياس في محل التوقف ، وإذا قطع بأن سب الناس بكل شيء سوى الزنا وضربهم والظلم لهم بغصب أموالهم وإخراجهم من مساكنهم وبلادهم وإجلائهم من أوطانهم ليس من الكبائر إذ لم ينقل ذلك في السبع عشرة كبيرة ، وهو أكبر ما قيل فيه فالتوقف في هذا أيضا غير بعيد ، ولكن الحديث يدل على تسميته كبيرة فليلحق بالكبائر فإذا رجع حاصل الأمر إلى أنا نعني بالكبيرة ما لا تكفره الصلوات الخمس بحكم الشرع ، وذلك مما انقسم إلى ما علم أنه لا تكفره قطعا ، وإلى ما ينبغي أن تكفره ، وإلى ما يتوقف فيه ، والمتوقف فيه بعضه مظنون للنفي والإثبات وبعضه مشكوك فيه وهو شك لا يزيله إلا نص كتاب أو سنة وإذن ، لا مطمع فيه فطلب رفع الشك فيه محال . وعقوق الوالدين
فإن قلت فهذا إقامة برهان على استحالة معرفة حدها ، فكيف يرد الشرع بما يستحيل معرفة حده ? فاعلم أن كل ما لا يتعلق به حكم في الدنيا فيجوز أن يتطرق إليه الإبهام لأن ، دار التكليف هي دار الدنيا ، والكبيرة على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث إنها كبيرة ، بل كل موجبات الحدود معلومة بأسمائها كالسرقة والزنا وغيرهما وإنما حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها وهذا أمر يتعلق بالآخرة ، والإبهام أليق به حتى يكون الناس على وجل وحذر ، فلا يتجرءون على الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس .