والتعبير من أوله إلى آخره أمثال تعرفك طريق ضرب الأمثال ، وإنما نعني بالمثل أداء المعنى في صورة إن نظر إلى معناه وجده صادقا وإن نظر إلى صورته وجده كاذبا ، فالمؤذن إن نظر إلى صورة الخاتم ، والختم به على الفروج رآه كاذبا ، فإنه لم يختم به قط ، وإن نظر إلى معناه وجده صادقا إذ ، صدر منه روح الختم ومعناه ، وهو المنع الذي يراد الختم له ، وليس للأنبياء أن يتكلموا مع الخلق إلا بضرب الأمثال ; لأنهم كلفوا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم وقدر عقولهم أنهم في النوم ، والنائم لا يكشف له عن شيء إلا بمثل ، فإذا ماتوا انتبهوا ، وعرفوا أن المثل صادق ; ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : « قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن » وهو من المثال الذي لا يعقله إلا العالمون فأما الجاهل فلا يجاوز قدره ظاهر المثال لجهله بالتفسير الذي يسمى تأويلا كما يسمى تفسير ما يرى من الأمثلة في النوم تعبيرا ، فيثبت لله تعالى يدا وإصبعا ، تعالى الله عن قوله علوا كبيرا وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله خلق آدم على صورته » فإنه لا يفهم من الصورة إلا اللون والشكل والهيئة ، فيثبت لله تعالى مثل ذلك ، تعالى الله عن قوله علوا كبيرا من ههنا زل من زل في صفات إلهية حتى في الكلام ، وجعلوه صوتا وحرفا إلى غير ذلك من الصفات ، والقول فيه يطول وكذلك قد يرد في أمر الآخرة ضرب أمثلة يكذب بها الملحد بجمود نظره على ظاهر المثال وتناقضه عنده كقوله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح فيثور الملحد الأحمق ، ويكذب ويستدل به على كذب الأنبياء ويقول يا سبحان الله ، الموت عرض والكبش جسم فكيف ينقلب العرض جسما ، وهل هذا إلا محال ولكن الله تعالى عزل هؤلاء الحمقى عن معرفة أسراره فقال : وما يعقلها إلا العالمون ، ولا يدري المسكين أن من قال : « رأيت في منامي أنه جيء بكبش ، وقيل هذا هو الوباء الذي في البلد وذبح فقال المعبر صدقت ، والأمر رأيت ، وهذا يدل على أن هذا الوباء ينقطع ، ولا يعود قط ; لأن المذبوح ، وقع اليأس منه فإذن ، المعبر صادق في تصديقه ، وهو صادق في رؤيته ، وترجع حقيقة ذلك إلى أن الموكل بالرؤيا ، وهو الذي يطلع الأرواح عند النوم على ما في اللوح المحفوظ عرفه بما في اللوح المحفوظ بمثال ضربه له لأن النائم إنما يحتمل المثال فكان مثاله صادقا ، وكان معناه صحيحا ، فالرسل أيضا إنما يكلمون الناس في الدنيا ، وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم ، فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله ، ولطفا بعباده ، وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل فقوله « يؤتى بالموت في صورة كبش أملح » مثال ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت وقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة ، وثبوت المعاني فيها بواسطتها ولذلك ، عبر القرآن بقوله : كن فيكون عن نهاية القدرة ، وعبر صلى الله عليه وسلم بقوله : « قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن » عن سرعة التقليب .


