فإن قلت : فكيف يكون الاستغفار نافعا من غير حل عقدة الإصرار ، وفي الخبر : المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بآيات الله وكان بعضهم يقول: أستغفر الله من قولي : أستغفر الله وقيل : الاستغفار باللسان توبة الكذابين وقالت رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير فاعلم أنه قد ورد في فضل الاستغفار أخبار خارجة عن الحصر ذكرناها في كتاب الأذكار والدعوات حتى قرن الله الاستغفار ببقاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فكان بعض الصحابة يقول : كان لنا أمانان : ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا وبقي ، الاستغفار معنا ، فإن ذهب هلكنا فنقول : الاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان من غير أن يكون للقلب فيه شركة ، كما يقول الإنسان بحكم العادة وعن رأس الغفلة : أستغفر الله وكما يقول إذا سمع صفة النار نعوذ بالله منها من غير أن يتأثر به قلبه ، وهذا يرجع إلى مجرد حركة اللسان ولا جدوى له ، فأما إذا انضاف إليه تضرع القلب إلى الله تعالى ، وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص نية ورغبة ، فهذه حسنة في نفسها فتصلح لأن تدفع بها السيئة وعلى هذا تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار حتى قال صلى الله عليه وسلم : ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة .
وهو عبارة عن الاستغفار بالقلب وللتوبة والاستغفار درجات وأوائلها لا تخلو عن الفائدة ، وإن لم تنته إلى أواخرها ولذلك ، قال سهل لا بد للعبد في كل حال من مولاه فأحسن أحواله أن يرجع إليه في كل شيء ، فإن عصى قال : يا رب استر علي ، فإذا فرغ من المعصية قال : يا رب تب علي ، فإذا تاب قال : يا رب ارزقني العصمة وإذا عمل قال : يا رب تقبل مني وسئل أيضا عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال : أول الاستغفار الاستجابة ، ثم الإنابة ، ثم التوبة فالاستجابة أعمال الجوارح ، والإنابة أعمال القلوب ، والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذي هو فيه ومن الجهل بالنعمة ، وترك الشكر فعند ذلك يغفر له ، ويكون عنده مأواه ، ثم التنقل إلى الانفراد ، ثم الثبات ، ثم البيان ، ثم الفكر ، ثم المعرفة ، ثم المناجاة ، ثم المصافاة ، ثم الموالاة ، ثم محادثة السر ، وهو الخلة ، ولا يستقر هذا في قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه ، والذكر قوامه ، والرضا زاده والتوكل صاحبه ، ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة العرش وسئل أيضا عن قوله صلى الله عليه وسلم : « التائب حبيب الله فقال » : إنما يكون حبيبا إذا كان فيه جميع ما ذكر في قوله تعالى : التائبون العابدون الآية وقال : الحبيب هو الذي لا يدخل فيما يكرهه حبيبه .


