فإن قلت : فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقص وهو خصلة واحدة فأقول إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفع الإشكال فنقول : اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول أنه أنه يطلق للتصديق بالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدر وهو إيمان العوام بل إيمان الخلق كلهم إلا الخواص وهذا الاعتقاد عقدة عن القلب تارة تشتد وتقوى وتارة تضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلا ولا تستبعد هذا واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكن نزوعه عنها بتخويف وتحذير ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصراني والمبتدعة وفيهم من يمكن تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنى استمالة أو تخويف مع أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم . الإيمان
وهذا موجود في الاعتقاد الحق أيضا والعمل يؤثر في نماء هذا التصميم وزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ، ولذلك قال الله تعالى فزادتهم إيمانا وقال تعالى ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وقال صلى الله عليه وسلم فيما يروى في بعض الأخبار : الإيمان يزيد وينقص وذلك بتأثير الطاعات في القلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في أوقات المواظبة على العبادة والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان في هذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه وتلطف به أدرك من باطنه تأكيد الرحمة وتضاعفها ، بسبب العمل ، وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجبه عملا مقبلا أو ساجدا لغيره أحس من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة .
وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ، ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه تعلق الباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب ، فإن ذلك من جنس تعلق الملك بالملكوت ، وأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس ، وبالملكوت عالم الغيب المدرك بنور البصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم الملك ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحاد أحدهما بالآخر ، وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم الشهادة ، وهو هذه الأجسام المحسوسة .
ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال .
:
رق الزجاج ورقت الخمر وتشابها فتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح
وكأنما قدح ولا خمر