وكذلك كل من أراد الله لأمر من الأمور، كما حكي أن
أبا حامد بلغه أن من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
قال: "فأخلصت أربعين يوما فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة، لم تخلص لله".
وذلك لأن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه، أو غير ذلك من المطالب.
[ ص: 67 ] وقد عرف أن ذلك يحصل بالإخلاص لله وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطلب ذلك بالإخلاص لله وإرادة وجهه كان متناقضا، لأن من أراد شيئا لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول يراد لكونه وسيلة إليه، فإذا قصد أن يخلص لله ليصير عالما أو عارفا أو ذا حكمة أو متشرفا بالنسبة إليه، أو صاحب مكاشفات وتصرفات ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة له إلى ذلك المطلوب الأدنى، وإنما يريد الله ابتداء من ذاق حلاوة محبته وذكره.
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28683وفطر العباد مجبولة على محبته، لكن منهم من فسدت فطرته.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله [سورة الروم: 30].
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661811 " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله [سورة الروم: 30] ".
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
عياض بن حمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964فيما يروي عن ربه تعالى قال: إني خلقت عبادي حنفاء [ ص: 68 ] فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا".
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهَ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ
أَبَا حَامِدٍ بَلَغَهُ أَنَّ مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ.
قَالَ: "فَأَخْلَصْتُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَتَفَجَّرْ شَيْءٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ إِنَّمَا أَخْلَصْتَ لِلْحِكْمَةِ، لَمْ تُخْلِصْ لِلَّهِ".
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ نَيْلَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، أَوْ نَيْلَ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ، أَوْ نَيْلَ تَعْظِيمِ النَّاسِ لَهُ وَمَدْحِهِمْ إِيَّاهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَطَالِبِ.
[ ص: 67 ] وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلَ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ، فَإِذَا قَصَدَ أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ كَانَ مُتَنَاقِضًا، لَأَنَّ مَنْ أَرَادَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ الْمَقْصُودُ بِذَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ يُرَادُ لِكَوْنِهِ وَسَيْلَةً إِلَيْهِ، فَإِذَا قَصَدَ أَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ لِيَصِيرَ عَالِمًا أَوْ عَارِفًا أَوْ ذَا حِكْمَةٍ أَوْ مُتَشَرِّفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، أَوْ صَاحِبَ مُكَاشَفَاتٍ وَتَصَرُّفَاتٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ هُنَا لَمْ يُرِدِ اللَّهَ، بَلْ جَعَلَ اللَّهَ وَسَيْلَةً لَهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْأَدْنَى، وَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ابْتِدَاءً مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ مَحَبَّتِهِ وَذِكْرِهِ.
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28683وَفِطَرُ الْعِبَادِ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّتِهِ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [سُورَةُ الرُّومِ: 30].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661811 " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [سُورَةُ الرُّومِ: 30] ".
وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ عَنْ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=885964فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى قَالَ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِيَ حُنَفَاءَ [ ص: 68 ] فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا".