قال «يريد أنه إذا وضع لهم هذا القسم من الأقسام التي استعملوا في إبطال الكثرة آل الأمر معهم إلى أن يثبتوا أن واجب الوجود ليس يمكن أن يكون مركبا من صفة وموصوف، ولا أن تكون ذاته ذات صفات كثيرة، وهذا شيء ليس يقدرون عليه بحسب أصولهم». ثم أخذ يبين أن المحال الذي راموا أن يلزموه على تقدير هذا القسم، ليس بلازم، قال: «فيقال لهم: ابن رشد: إن أردتم بواجب الوجود أنه ليس له علة فاعلية فلم قلتم ذلك؟ أي: فلم قلتم بامتناع كونه موصوفا بالصفات؟ ولم استحال [ ص: 398 ] أن يقال: كما أن ذات واجب الوجود قديم لا فاعل له فكذلك صفاته قديمة لا فاعل لها؟».
قال «وهذا كله معاندة لمن سلك في نفي الصفات طريقة ابن رشد: في إثبات واجب الوجود بذاته ... وذلك أنهم يفهمون في الممكن الوجود الممكن الحقيقي، ويرون أن كل ما دون المبدأ الأول هو بهذه الصفة، وخصومهم من الأشعرية يسلمون هذا، ويرون أن كل ممكن فله فاعل، وأن التسلسل ينقطع بالانتهاء إلى ما ليس ممكنا في نفسه، فإذا سلم لهم هذه ظن بها أنه يلزم عنها أن يكون الأول الذي انقطع عنده الإمكان ليس ممكنا، فوجب أن يكون بسيطا غير مركب، لكن للأشعرية أن يقولوا: إن الذي ينتفي عنه الإمكان الحقيقي ليس يلزم أن يكون بسيطا، وإنما يلزم أن يكون قديما فقط، لا علة فاعلية له، فلذلك ليس عند هؤلاء برهان على أن الأول بسيط من طريقة واجب الوجود». [ ص: 399 ] ابن سينا