وأما كون الفاعل باختياره يمتنع أن يقارنه فعله، فقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع، ولكن إما أن يجوز أن يقارنه فعله، وإما أن يجب تأخره، فإن وجب تأخره بطل قولهم بقدم العالم، فإن الفعل إذا لزم تأخره كان تأخر المفعول أولى إن جعل المفعول غير الفعل، وإن جعل المفعول هو [ ص: 189 ] الفعل فقد لزم تأخره، فتأخره لازم على التقديرين، وإن جاز مقارنة فعله له فإما أن يكون التسلسل ممكنا، وإما أن يكون ممتنعا، فإن كان ممتنعا لزم أن يكون للحوادث أول، وحينئذ فإذا كان الفعل المقارن قديما، لم يقدح هذا في وجوب حدوث المفعولات. نبين فساد قول الفلاسفة بأن يقال: الفاعل بالاختيار:
وهذا يقوله من يقول: إنه أحدث الحوادث بتخليق قديم أزلي قائم بذاته، كما تقول ذلك طوائف من المسلمين، وإن كان التسلسل ممكنا أمكن أن يكون بعد ذلك الفعل فعل آخر، وبعده فعل آخر، وهلم جرا، وأن تكون هذه الأفلاك حادثة بعد ذلك، كما أخبرت به النصوص، وهو المطلوب.
وغيره اعترضوا على هذه المقدمة لما ذكروها في حجة من احتج على حدوث العالم بأنه ممكن، وكل ممكن فهو محدث، لأن المؤثر فيه إما أن تؤثر فيه حالة وجوده، وهو باطل، لأن التأثير حالة الوجود يكون إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل، وهو محال، وإما حال العدم وهو محال، لأن يستلزم الجمع بين الوجود والعدم، فتعين أن يكون لا حال الوجود ولا حال العدم، وهو حال الحدوث. والأبهري
فاعترض وغيره على ذلك بأنه لم لا يجوز أن يكون التأثير حال الوجود؟: "قوله: يكون تحصيلا للحاصل. قلنا: لا نسلم؛ لأن التأثير عبارة عن كون المرجح مترجح الوجود على العدم بالمؤثر، وجاز أن يكون الممكن مترجح الوجود على العدم حال الوجود. فيقول له من يعارضه في دليله مثل ذلك، فإذا قال: لو كان الفعل الذي فعله الفاعل المختار أزليا، لكان الفاعل قاصدا إلى إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل. الأبهري
[ ص: 190 ] قالوا: بل وجود الموجود وحصول الحاصل مقصده واختياره.