وقال الشيخ أبو أحمد الكرخي، الإمام المشهور في أثناء المائة الرابعة، في العقيدة التي ذكر أنها اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهي العقيدة التي كتبها للخليفة وقرأها على الناس، وجمع الناس عليها، وأقرتها طوائف أهل السنة، وكان قد استتاب من خرج عن السنة من القادر بالله، المعتزلة والرافضة ونحوهم، سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
وكان حينئذ قد تحرك ولاة الأمور لإظهار السنة لما كان الحاكم المصري وأمثاله من أئمة الملاحدة قد انتشر أمرهم، وكان أهل ابن سينا وأمثالهم [ ص: 253 ] من أهل دعوتهم، وأظهر السلطان لعنة أهل البدع على المنابر، وأظهر السنة، وتناظر عنده محمود بن سبكتكين ابن الهيصم في مسألة العلو، فرأى قوة كلام وابن فورك ابن الهيصم، فرجح ذلك، ويقال إنه قال فلو أردت تصف المعدوم كيف كنت تصفه بأكثر من هذا؟ أو قال: فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم؟ وأن لابن فورك: كتب إلى ابن فورك يطلب الجواب عن ذلك، فلم يكن الجواب إلا أنه لو كان فوق العرش للزم أن يكون جسما. ومن الناس من يقول: إن السلطان لما ظهر له فساد قول أبي إسحاق الإسفراييني سقاه السم حتى قتله، وتناظر عنده فقهاء الحديث، من أصحاب ابن فورك وغيرهم، وفقهاء الرأي، فرأى قوة مذهب أهل الحديث فرجحه، وغزا المشركين الشافعي بالهند، وهذه العقيدة مشهورة، وفيها: وهو يدبر السماوات والأرض ويدبر ما فيهما، ومن في البر والبحر، لا مدبر غيره، ولا [ ص: 254 ] حافظ سواه، يرزقهم، ويمرضهم، ويعافيهم، ويميتهم، والخلق كلهم عاجزون: الملائكة، والنبيون، والمرسلون، وسائر الخلق أجمعين، وهو القادر بقدرة، والعالم بعلم أزلي غير مستفاد، وهو السميع بسمع، والبصير ببصر، تعرف صفتهما من نفسه، لا يبلغ كنههما أحد من خلقه، متكلم بكلام يخرج منه، لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين، لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، وكل صفة وصف بها نفسه، أو وصف بها نبيه، فهي صفة حقيقية، لا صفة مجاز". "كان ربنا وحده ولا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجته إليه، فاستوى عليه استواء استقرار، كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق،