وأما قوله في الوجه السادس: "إن العقل يدرك ماهيات كمراتب الأعداد، مع أنه لا يمكنه أن يحكم على كل واحدة منها بأن موضعها كذا أو مقدارها كذا".
فجوابه من وجوه.
أحدها: ما أجاب به بعض أصحابهم، حيث قال: هذا لا يرد عليهم، لأن الأعداد أمور ذهنية، والكلام في أمور خارجية.
الوجه الثاني: أن يقال: العدد مع المعدود، والتقدير مع المقدر، [ ص: 287 ] كالحد مع المحدود، والاسم مع المسمى، والعلم مع المعلوم، ونحو ذلك. فالعلم، والقول، والعدد، والحد، الذي هو القول الدال، والتقدير، ونحو ذلك، هي قائمة بالعالم، القائل، العاد، الحاد، المقدر، وإذا العدد هو معنى يقوم بالعاد، كان حكمه حكم سائر ما يقوم بالإنسان من هذه الأمور، وموضع ذلك نفس الإنسان، وأما مقدارها فهو تابع لمحلها، كأمثالها من الأعراض.
الوجه الثالث: أن يقال: هذه الأعداد هي من جملة الكليات، والقول فيها كالقول في كليات الأنواع. ومن المعلوم أن أصحاب فيثاغورس لما أثبتوا عددا مجردا قائما بنفسه، أنكر ذلك عليهم جماهير العقلاء من إخوانهم وغيرهم، وكانوا أضعف قولا من أصحاب أفلاطن الذين أثبتوا الحقائق المجردة الكلية قائمة بأنفسها التي يسمونها "المثل الأفلاطونية".
فإذا كان قد تقدم بطلان حجة من احتج بكليات الحقائق، فبطلان حجة من احتج بكليات العدد أولى وأحرى.