[ ص: 13 ] قلت: تقدم الكلام على هذا في التركيب، وذكر ما استدلوا به على امتناع كونه عرضيا، فإن الوصف العرضي يحتاج إلى سبب منفصل عن الذات، فيكون وجوب الواجب مفتقرا إلى شيء غير الواجب، وأيضا فيكون وجوب الواجب وصفا عرضيا. وهو ظاهر الفساد، وأيضا التفريق في الصفات اللازمة للحقيقة بين الذاتي والعرضي تحكم محض.
ولكن لقائل أن يقول: قول القائل: تشاركا في الوجوب الذاتي، أتعني به تشاركهما في مطلق الوجوب، أو أن أحدهما شارك الآخر في الوجوب الذي يخصه؟
فإن أراد الأول، قيل له: وكذلك قد اشتركا في مطلق التعين، فإن هذا واجب، وهذا واجب، وهذا معين وهذا معين، والمعينات مشتركة في مسمى التعين، كما أن الواجبات مشتركة في مسمى الوجوب، والموجودات مشتركة في مسمى الوجود، والماهيات مشتركة في مسمى الماهية، والحقائق مشتركة في مسمى الحقيقة، وكذلك سائر الأسماء العامة المطلقة الكلية. وحينئذ فلم يتباينا في مطلق التعيين، كما لم يتباينا في مطلق الوجوب.
وإن قال: اشتركا في عين الوجوب. [ ص: 14 ]
قيل: هذا ممتنع، كما أن اشتراكهما في عين التعين ممتنع.
وإن جاز لقائل أن يقول: هذا شارك هذا في نفس وجوبه الذي يخصه، لجاز لآخر أن يقول: إن هذا شارك هذا في نفس تعينه الذي يخصه، وإنما المستدل أخذ الوجوب مطلقا، وأخذ التعين مقيدا، وكان الواجب أن يسوي بينهما في الإطلاق والتعيين، إذ هما متلازمان، فإن وجوب هذا ملازم لعينه ووجوب هذا ملازم لعينه، فيمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر.
ولو عكس عاكس قوله لكان قوله مثل قوله، بأن يقول: اشتركا في التعين الذاتي، فإن لكل منهما تعينا ذاتيا وتباينا في الوجوب فإن لكل منهما وجوبا يخصه. ومعلوم أن هذا فاسد، فكذلك نظيره.
وفي الجملة وناطقية تخصه، وهي متلازمة، لا توجد إنسانيته دون ناطقيته، ولا ناطقيته دون إنسانيته، ولا توجد واحدة منهما دون عينه المعينة، وإن وجد [ ص: 15 ] إنسانية أخرى وناطقية أخرى، فتلك نظير إنسانيته وناطقيته ليست هي هي بعينها، كما أن هذا الإنسان نظير هذا الإنسان ليس هو إياه بعينه، إلا أن يراد بلفظ العين النوع، كما يقال لمن عمل مثل ما يعمل غيره: هذا عمل فلان بعينه، فالمقصود أنه ذلك النوع بعينه، ليس المقصود أنه ذلك العمل المشخص الذي قام بذات ذلك الفاعل فإنه مخالف للحس، فقد تبين أن الموجودين والواجبين ونحو ذلك لم يتركب أحدهما من مشارك ومميز، بل ليس فيه إلا وصف مختص به يتميز به عن غيره، وإن كانت صفاته بعضها يشابه فيها غيره وبعضها يخالف فيها غيره. فالصفات المتلازمة لا يكون بعضها أخص من بعض، فإذا قدر إنسانان فكل منهما له إنسانية تخصه، وحيوانية تخصه،