وأما القسم الثالث وهو: أن يكون للمجموع علة هي بعضه، فهذا قد أبطله بقوله: "ليس بعض الآحاد أولى بذلك من بعض، إن كان كل واحد منها معلولا، ولأن علته أولى بذلك".
وهذان وجهان في تقرير ذلك: أحدهما: أن كل جزء من الأجزاء إذا كان ممكنا -ومن ذلك الهيئة الاجتماعية- فليس وجوب المجموع بهذا الجزء بأولى من هذا، لأنه متوقف على كل جزء جزء منها.
والثاني: أن كل واحد من تلك الأجزاء معلول لغيره، فعلته أولى أن تكون هي الموجبة للجميع منه، سواء قيل: إن علة المجموع واحد معين، أو واحد منها غير معين. وأما إذا قيل: كل واحد واحد، فذلك أبعد، لأنه يقتضي اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد، وهو ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء.
فإن قيل: إذا كان المجموع هو الأجزاء ونفس الاجتماع، فهذا لا يفتقر إلى شيء منفصل.
قيل: هذا هو القول بوجوب ذلك بنفسه، وقد تقدم إبطاله، فإنه يكون كل جزء ممكنا بنفسه، والاجتماع ممكن بنفسه، ولم يكن هنا [ ص: 286 ] ما يغاير ذلك حتى يقال: هو واجب بنفسه، فلا يمكن أن يكون هنا ما هو واجب بنفسه.
وقد أبطل غيره هذا القسم بوجهين: أحدهما ذكره الرازي أن ما كان سبب المجموع كان سبب كل واحد من أجزاء ذلك المجموع، فلو قدر جزء من أجزاء المجموع سببا، لزم كون ذلك الجزء سببا لنفسه، فيلزم كون الممكن علة معلولا. وأيضا فذلك الجزء معلول، فإذا كان هو مرجحا للمجموع كان مرجحا لعلته، فيكون علة لعلته. والآمدي: