وقال الرازي أيضا لما شرح طريقة في إثبات واجب الوجود [ ص: 293 ] وأبطل التسلسل: "قد بقي هنا كلام آخر، وهو ابن سينا وهو أن يكون هذا يترجح بذاك، وذاك يترجح بهذا". إبطال الدور،
قال: "واعلم أن الدور باطل، والمعتمد في إبطاله أن يقال: العلة متقدمة على المعلول، ولو كان كل منهما علة للآخر، لكان كل منهما متقدما على الآخر، فيكون كل منهما متقدما على المتقدم على نفسه، فيلزم تقدم كل منهما على نفسه، وهو محال".
وأورد على هذا ما مضمونه: أن التقدم إن كان غير كون أحدهما علة للآخر، فلا نسلم الأولى، وإن كان هو كون أحدهما علة للآخر كان اللازم هو الملزوم، فيكون المعنى: لو كان أحدهما علة للآخر لكان علة للآخر.
ثم قال: "والإنصاف أن الدور معلوم البطلان بالضرورة، ولعل الشيخ إنما تركه لذلك".
قلت: هذا هو الصواب، فإن بطلان الدور معلوم بالضرورة، ولأجل هذا لا يخطر لأكثر العقلاء حتى يحتاجوا إلى نفيه عن قلوبهم، كما لا يخطر لهم أن الفاعل للموجودات يكون معدوما، ولا يخطر لهم أن الشيء يحدث أو يكون لا بنفسه ولا بغيره، بل ولا يخطر لهم أنه يمكن أن يكون مفعولات متعاقبة لا فاعل لها، وهو تسلسل العلل فيكون معلول مفعول لمعلول مفعول، والمعلول المفعول معلول لمفعول آخر لا إلى نهاية، فأكثر الأذهان الصحيحة لا يخطر لها إمكان هذا [ ص: 294 ] حتى تحتاج إلى نفيه، وكذلك لا يخطر لها أنه يمكن وجود شيئين كل منهما فعل الآخر، بل هم يعلمون أن الشيء لا يفعل نفسه، فكيف يفعل فاعل نفسه؟
وقول القائل: إنه لو كان كل منهما فاعلا للآخر، أو مؤثرا في الآخر، أو علة في الآخر، لكان كل منهما قبل الآخر، كلام صحيح.