وأما قول المعترض: إن أريد بالتقدم تقدم العلة على المعلول، فاللازم هو الملزوم، وإن أريد غيره فإنه ممنوع.
فهذا عنه جوابان: أحدهما أن يراد به التقدم المعقول في فطر الناس، من تقدم الفاعل على المفعول، وهو كونه قبله بالزمان، أو تقدير الزمان، وعلى هذا جمهور العقلاء.
بل قد يقولون: هذا معلوم بالضرورة، وهو كون الفاعل سابقا متقدما على مفعوله، وأنه يمتنع أن يكونا متساويين في زمان الوجود.
وهذا مما يستدل به على أن ليس في الموجودات ما يقارن الخالق ويكون معه بالزمان، ولا يعرف في الوجود مفعول معين قارن فاعله في زمانه أصلا، وإنما يعرف هذا في الشرط والمشروط، فإن الشرط قد يقارن المشروط فلا يوجد قبله، وقد يوجد قبله، لكن لا بد من وجوده معه، كما أن كل ما سوى الله حادث، وكذلك الذات مع الصفات اللازمة: لا يوجد أحدهما قبل الآخر، بل هما متلازمان، ولا يوجد أحدهما إلا مع الآخر. الحياة إذا كانت شرطا في العلم والإرادة أمكن أن تكون متقارنة في صفات الله تعالى، فإن حياته [ ص: 295 ] وعلمه معا لم يسبق أحدهما الآخر، والعلم مشروط بالحياة،
وقد يكون الشرط سابقا للمشروط كالأعراض التي لا توجد إلا بمحل، وقد يكون المحل موجودا قبل وجود الأعراض، وكما في أفعال الله الحادثة فإنها مشروطة بوجود ذاته، وذاته متقدمة عليها.