وقوله: «فكل موجود لم يكن وقتا موجودا بالقوة ووقتا بالفعل فهو موجود بذاته، والمتحرك وجوده إنما هو مع القوة المحركة، فلهذا احتاج كل متحرك إلى محرك».
فيقال له:
ثم يقال لك: هل يجوز أن يتحرك المتحرك بنفسه بعد أن لم يكن متحركا أم لا؟. هب أنه سلم لك أن المتحرك وجوده مع القوة المحركة، فلم قلت: إن الحركة تحتاج إلى محرك منفصل عنه؟.
فإن أجزت هذا بطل قولك، وجاز وجود المتحرك بنفسه قبل الحركة، وقبل القوة المحركة.
وإن قلت: لا يجوز. قيل: فحركته حينئذ إما أن تكون من نفسه، وإما من غيره، فإن كانت من نفسه كانت الحركة من نفس المتحرك وبطل قولك، وإن كانت من غيره وكان ذلك الغير متحركا فالقول [ ص: 412 ] فيه كالقول في الأول، وإن كان غير متحرك لزم وجود حركات متوالية عن غير متحرك، وهذا قولهم، وهو باطل.
وذلك أن أجزاء الحركات متعاقبة شيئا بعد شيء، فالمقتضى لكل من تلك الأجزاء يمتنع أن يكون موجبا تاما في الأزل، لأنه لو كان كذلك للزم أن يقارنه موجبه، فإن العلة التامة لا يتأخر عنها معلولها، وحينئذ يلزم كون المحدث قديما وهو ممتنع، أو يقال: إن كانت العلة التامة تستلزم مقارنة معلولها لزم ذلك، وإن لم تستلزم ذلك جاز حدوث الحركات المتأخرة عن موجب قديم، فيجوز أن يتحرك الشيء بعد أن لم يكن متحركا بدون سبب حادث، وهذا يبطل قولكم، وإذا لم يكن الموجب التام لها ثابتا في الأزل لزم أن يكون حادثا، والقول في حدوثه كالقول في حدوث غيره، فيمتنع أن يحدث هو أو غيره عن علة تامة قديمة، فإذا لم يكن في الفاعل فعل حادث امتنع أن يصدر عنه شيء حادث، فامتنع صدور الحركات عن غير متحرك.