وأيضا فلا يجوز أن يحدث عن الفاعل شيء كما تقوله أنت وإخوانك: إنه علة تامة وموجب تام، والعلة التامة لا يتأخر عنها معلولها ولا شيء من معلولها، فإذا كل ما تأخر عن الأول ليس معلولا للعلة التامة، ولا مفعولا للفاعل الأول، ولا يجوز أن يكون فعلا لغيره، إذ القول في ذلك الغير كالقول فيه، فيلزم أن تكون الحوادث كلها حادثة بلا محدث. فالفاعل المستكمل لشروط الفعل إما أن يجوز حدوث المفعول عنه بعد أن لم يكن بلا سبب حادث، وإما أن لا يجوز، فإن جاز فهو قول منازعك الذي ادعيت أنه فاسد بالضرورة. وإن لم يجز لزم أن يكون مفعوله مقارنا له لا يتأخر عنه منه شيء،
وهذا لازم لهؤلاء الفلاسفة الإلهيين كما يلزم إخوانهم الطبيعيين، وهو القول الذي هو من أظهر المعارف الضرورية فسادا، وقد بسط الكلام على هذه المواضع في غير هذا الموضع، وإنما كان المقصود هنا التنبيه على جنس ما يغالط به هؤلاء وأمثالهم من الألفاظ المجملة، كلفظ "المركب" ونحوه كما يغالطون بلفظ "التخصيص" و "المخصص"، وأن كلام وأمثاله في مناظرتهم خير من كلامهم وأقوم. [ ص: 419 ] أبي حامد
وأما قول «لا يخلو إما أن يكون كل من جزأيه شرطا في وجود الآخر أو لا يكون، أو يكون الواحد شرطا في الآخر من غير عكس». ابن رشد: