وقوله: "القسم الأول لا يكون قديما، وذلك أن التركيب نفسه هو شرط في وجود الآخر فليس يمكن أن تكون الأجزاء هي علة التركيب ولا التركيب علة نفسه، إلا لو كان الشيء علة نفسه".
فيقال له: أولا تسمية هذا تركيبا وأجزاء ليس هو من لغات بني آدم المعروفة التي يتخاطبون بها، فإنه ليس في لغة الآدميين أن الموصوف بصفات يقال إنه مركب منها، وأنها أجزاء له، وإذا خاطبناكم باصطلاحكم فقد علمتم أنه ليس المراد بالمركب إلا اتصاف الذات بصفات لازمة لها، أو وجود معان فيها، أو اجتماع معان وأمور ونحو ذلك، ليس المراد أن هناك مركبا ركبه غيره حتى يقال: إن المركب يفتقر إلى مركب، فإن من وافقكم على اصطلاحكم في تسمية الذات الواجبة الموصوفة بصفاتها اللازمة تركيبا لم يرد بذلك أن هناك مركبا ركبها، فإن هذا لا يقوله عاقل، ولا أنتم أيضا تدعون أن مجرد اللفظ الدال على هذا المعنى يقتضي أن يكون له فاعل، ولكن تدعون [ ص: 420 ] ثبوت ذلك، إما بطريقة ونحوه الذي قد تقدم إبطالها، وإما بطريقة ابن سينا المعتزلة التي اختارها واعترف بفساد طريقة ابن رشد ابن سينا.
وإذا كان المراد بلفظ التركيب ما قد عرف، فمن المعلوم أن الذات الموصوفة بصفات لازمة لها، أو التي فيها معان لازمة لها، لا يقال فيها: إن اتصاف الذات بالصفات أمر معلوم مفتقر إلى فاعل حتى يقال: إن الأجزاء هي علة التركيب، أو يقال: التركيب علة نفسه. بل هذا المعنى الذي سميته تركيبا هو من لوازم الواجب بنفسه، لا يمكن أن يكون الواجب إلا موصوفا بالصفات اللازمة له، ثابتة له المعاني اللازمة له، وليس لذلك علة فاعلة كما تقدم.